الأحلام التي تحولت إلى كوابيس

TT

أحلام نشر الديمقراطية في دول العالم العربي شكّلت خلفية قرار الرئيس بوش بغزو العراق عام 2003، إلا أن الكوابيس جعلت بوش ـ والقوات الأميركية ـ تعيش مأزقا هناك.

التحول من حلم إلى كابوس يوضح أهداف الرئيس بوش واستراتيجيته في العراق بصورة أكثر وضوحا من التقارير التي صدرت الأسبوع الماضي، والشهادات أمام الكونغرس والكلمات التي ألقاها مرشحو الرئاسة، وتصريحات بوش نفسه. وفي واقع الأمر، ساعدت عاصفة الكلمات والتصريحات والأحاديث على إخفاء التحول من الأمل إلى الخوف كقوة محركة في سياسة الولايات المتحدة تجاه العراق.

كان الهدف من ظهور كل من الجنرال ديفيد بترايوس والسفير إيان كروكر أمام الكونغرس كسب ستة أشهر أخرى قبل ظهور تطور او خطوة جديدة، حسبما اعترف كل منهما بأمانة، وإن كان بصورة غير مباشرة.

الضجة المفتعلة حول ظهور بترايوس وكروكر أمام الكونغرس تعكس حالة الضعف المتعمقة لدى بوش ومحدودية ما تبقى له من قوة. يجب على الرئيس بوش، وهو في حالة ضعفه الراهنة، الاستعانة بمساعدين أكثر مصداقية، مثل بترايوس وكروكر ـ الذين لا تتطابق أجندتهما المؤسسية مع أجندة بوش ـ فضلا عن الاستماع إلى معارضي الحرب داخل وخارج الكونغرس.

إلا أن بوش لا يزال قادرا على تأطير الجدل على اساس الشروط والمعطيات عندما يكون ذلك ضروريا، مثلما فعل الأسبوع الماضي. فهم القوى التي تدفع بوش فيما يتعلق بالعراق أمر جوهري وضروري لفهم إعادة الولايات المتحدة صياغة وجودها هناك خلال الشهور الأخيرة من فترة رئاسته.

قال لي مسؤول اميركي رفيع بعد وقت قصير من قرار تعزيز القوات الاميركية في العراق بـ30 ألف جندي وضابط انه يجب ان تتوحد مجموعة مسؤولة من الديمقراطيين والجمهوريين في الكونغرس من بين الذين يؤيدون وجودا عسكريا اميركيا متوازنا في العراق خلال الفترة المتبقية من رئاسة بوش وحتى فترة الإدارة الاميركية المقبلة.

ما يعنيه ذلك على الأرض ومن الناحية الدبلوماسية بدأ يظهر بصورة اكثر وضوحا. هناك مجموعتان من القوات الاميركية الخاصة في العراق اوكلت لهما مهام محددة تختلف عن المهمة الواسعة للقوات الاميركية بتوفير الأمن لسكان العراق. واحدة من هاتين المجموعتين اوكلت لها مهمة تعقب متمردي تنظيم «القاعدة في العراق» والقضاء عليهم، فيما تستهدف المجموعة الثانية أعضاء «فيلق القدس»، التابع للحرس الثوري الإيراني، الذي يعمل داخل العراق.

يمكن القول إن زيادة عدد القوات الاميركية في العراق مسألة يمكن تعديلها وتتسم بشيء من المرونة بصورة عامة، إلا ان هاتين المهمتين ليستا كذلك. بمعنى آخر، في الوقت الذي يحاول فيه بترايوس وكروكر التوصل الى اتفاقيات مع الجهات القابلة لمبدأ المصالحة في محافظة الأنبار ووسط الميليشيات الشيعية تعمل الفرق التابعة لوحدات العمليات الخاصة في مواجهة العناصر الرافضة أصلا لمبدأ المصالحة في المعسكرين.

الميلودراما السياسية خلال الاسبوع المنصرم وتصريحات كل من كروكر وبترايوس أشارت الى ان القوات الاميركية ستظل جزءا من قوة متعددة الجنسيات مفوضة من الامم المتحدة للبقاء خلال العام المقبل في العراق، وأشارت ايضا الى ان واشنطن ستوقع على اتفاق امني مع بغداد حول تمركز القوات الاميركية خلال العام 2009 وما بعده. ويمكن القول هنا ان الخطوة القانونية ستجعل من الممكن إعادة النظر في حجم القوات الاميركية وتركيزها على المهام التي يعتقد بوش انها سامية.

وفيما تبدد الحلم بأن يصبح العراق نموذجا للديمقراطية في العالم العربي، اصبحت ايران مصدر كابوس حالك وأكثر أهمية بالنسبة للرئيس.

فقد تلقى تحذيرا من «هولوكوست نووي» اذا نجحت طهران في تطوير اسلحة ذرية. وكان بوش في حديث له خلال زيارته الى رابطة للعسكريين الاميركيين الشهر الماضي قد أكد على اعتزامه الإبقاء على القوات الاميركية في العراق ـ لمحاربة إيران ـ لأطول فترة ممكنة. وقال في هذا السياق ان شبكة الارهابيين التي نسجتها ايران في منطقة الشرق الاوسط تتطلب الإبقاء على الوجود العسكري الاميركي.

الخوف المغالى فيه من ايران اصاب السياسة الاميركية في العراق بالشلل منذ الإطاحة بصدام حسين والنخبة السنيّة الحاكمة، الأمر الذي حال دون توصل بوش الى تفاهم مع الغالبية الشيعية في العراق ومع طهران، وهو امر كان ممكنا عام 2003. إلا ان حكومة طهران الأكثر تطرفا الآن تقيم وزنا لخوف بوش.

لا يمكن ايضا التغاضي عن الكابوس الذي تحدث عنه بوش علنا. إي الحدوث المحتمل لحمام دم في العراق في حال انسحاب القوات الاميركية.

ويبقى القول ان السياسة التي يهيمن عليها الخوف بفعل الكوابيس تؤدي الى تكاليف باهظة على الصعيدين الداخلي والخارجي. لذا، فإن ما شهدته واشنطن الاسبوع الماضي لم يكن إعادة تقييم حقيقية للوجود الاميركي في العراق، إذ ان كلا من بوش وبترايوس وكروكر ترك الأحداث تفرض عملية إعادة التقييم التي لم تأت بعد.

*خدمة «واشنطن بوست»

خاص بـ«الشرق الاوسط»