خطاب آن أوانه

TT

في هذه الأيام من كل عام وخلال شهر رمضان المبارك، تنفتح شهية المسلمين على البرامج والكتب والندوات الدينية بشكل استثنائي، فالكثير يبحث عن مبتغاه من آراء وأفكار مريحة تلبي وتجيب عن الأسئلة، مع ذلك يبقى السؤال المهم قائما: أين حجم «الوسطية» وتعاليمها في الخطاب الديني الإسلامي العام؟ تذكرت ذلك وأنا أقرأ تصريحا لأحد غلاة التطرف وأباطرة التشدد يقول فيه: إن الحوار بين الأديان والتقارب بينها هو كفر وشرك. وهذا أقل ما يقال عنه أنه رأي شاذ وغريب، ولكنه حاضر وموجود.

العالم الإسلامي ينتظر توضيحا حقيقيا وجادا للمفاهيم التي يتم الحديث عنها المرة تلو الأخرى وترديدها بشكل متواصل، مفاهيم كالتسامح والوسطية وغيرها. ولذلك لم يكن غريبا أن تمتلئ إحدى أهم قاعات المناسبات في العاصمة الأمريكية واشنطن دي سي بالمئات من المسلمين الذين جاءوا من مختلف الولايات، ومن فئات عمرية مختلفة ليستمعوا لمحاضرة الداعية «الظاهرة» عمرو خالد الذي يقدم خطابا مغايرا عما هو سائد وتقليدي، خطاب بدون قلق وغضب وصريخ وعويل وتهديد، وقد يكون عمرو خالد الحالة الأشهر وصاحبة الحظ الأوفر من التغطية الإعلامية، ولكنه حتما ليس وحيدا على الساحة، فهناك محاولات مهمة فها هو مفتي سورية الشيخ أحمد حسون يقدم أمثلة لافتة عن العمل بالمذاهب وتوسيع دائرة الإفتاء ، وها هو الشيخ عبد الله فدعق الفقيه السعودي المعروف يقدم بحثا في غاية الأهمية عن مبدأ «فتح الذرائع» وليس سدها من وجهة نظر شرعية بشكل جمالي وعصري غير مسبوق، هناك طبعا الجهود اللافتة والمهمة جدا للشيخ حمزة يوسف في الولايات المتحدة الأمريكية لتقديم الجرعة الحضارية الإسلامية للمسلم الجديد بالممارسة الفعلية والعملية للمساواة والتسامح والوسطية، وها هو الشيخ محمد عبد الرحيم سلطان العلماء من دبي يقدم نموذجا صحيا وسلسا للإفتاء الميسر للمسلم في هذا الزمان الشديد الصعوبة. النهم الهائل الموجود لدى المسلم اليوم ليبحث عن علوم جديدة ومفاهيم مطورة للكثير من قضايا زمانه لم يعد سرا، ولكن نضوب الاجتهاد وإغلاق بابه والاعتماد على الجمود القديم وكأنه النبع الوحيد للحقيقة بات مصدرا طبيعيا للتطرف والتنطع مؤديا الى نتيجة تلقائية لتشوه صورة الفكر الإسلامي الحقيقي والممكن.

السماح للأصوات الجديدة في العالم الإسلامي أن تظهر وتكون على السطح (مهما حوربت وتعرضت للمضايقات من الأصوات الدينية التقليدية كما هو منتظر)، السماح بظهورها ليس فقط طلبا ضروريا ومنطقيا ولكنه طلب عادل وفي صالح الفكر الديني والمسلم بدلا من التضييق عليهم ومحاولة إقناعهم بالقوة أن هناك رأيا واحدا فقط وصورة واحدة فقط للحق والحقيقة، وهذا هراء لا يمكن قبوله.

[email protected]