أوان المصالحة في الصومال

TT

جاء توقيع اتفاق المصالحة بين الفرقاء الصوماليين في جدة ليلة اول من امس لينعش الآمال بامكانية دخول هذا البلد الممزق منذ اكثر من 16 عاما مرحلة جديدة يستعيد فيها توازنه ووحدته تحت حكومة مركزية تستطيع ان تضع البلد الذي يحظى من حيث الموقع باهمية استراتيجية لقربه من مدخل البحر الاحمر من جديد على الخريطة العالمية والاقليمية.

التوقيع في حد ذاته يحمل اشارات مهمة من حيث التوقيت فهو يأتي بعد مؤتمر لمختلف الفرقاء الصوماليين في مقديشو عقد تحت وقع الهجمات والتفجيرات والاغتيالات في اغسطس، ومن حيث المكان باعتبار انه يمثل رعاية عربية لجهود اعادة السلام والصلح في دولة عضو بالجامعة العربية وظلت محل اهمال اقليمي ودولي لفترة طويلة.

الجهد الاساسي لانجاح هذه المصالحة يقع على عاتق الصوماليين انفسهم فلا احد يستطيع ان يساعدهم ما لم يساعدوا انفسهم ويتمكنوا من حل الخلافات باساليب غير استخدام السلاح ووضع المصلحة الوطنية التي تجمعهم فوق أي اعتبار آخر فالاتفاق هو خطوة اولى تستلزم عملا جادا ودائما كما قال العاهل السعودي خلال رعايته توقيع المصالحة.

وان كان جزء من المشكلة الصومالية يرتبط بتعقيدات اقليمية في القرن الافريقي تحتاج هي الأخرى الى مصالحة وجهد عربي ودولي من اجل وقف الصراعات الدامية التي تستنزف شعوب هذه المنطقة وتسمح بنشر الفوضى والعنف، وتسلل جماعات التطرف والارهاب التي تحاول ايجاد قواعد لها في اماكن الاضطرابات بالعالم من اجل نشر جراثيمها والتخطيط لاعمال الارهاب.

وليس خافيا ان جزءا ليس صغيرا مما يدور على الأرض الصومالية هي حرب بالوكالة بين اثيوبيا واريتريا اللتين خاضتا حربين دمويتين بسبب خلافهما الحدودي الذي راح ضحيته آلاف بدون نتيجة واضحة، والان يدفع الصوماليون حصة من دمهم بسبب هذا الخلاف الاقليمي الذي يهدد كل منطقة القرن الافريقي.

الجانب الآخر في مشكلة الصومال والقرن الافريقي هو الاهمال الدولي الطويل لها منذ انسحاب قوات حفظ السلام منه في التسعينات بعد حادثة اسقاط الهليكوبتر الاميركية وما تبعها من ملابسات، فقد ترك البلد لمصيره يحكمه زعماء حرب يفرضون اتاوات وعصابات تمارس القرصنة على السفن المارة بالقرب من سواحله بينما يغرق مئات من ابنائه في قوارب وهم يحاولون الهرب عبر البحر الاحمر تحت رحمة تجار البشر الى ملجأ آمن او الى نقطة يستطيعون منها اللجوء الى بلد آخر، ولم يبدأ الاهتمام مجددا الا بعد مخاوف من استغلال جماعات ارهابية لأراضيه، وان كانت الارادة الدولية ليست قوية بما يكفي في ضوء التعثر الذي تشهده عملية توفير التمويل وتجهيز قوة دولية لحفظ السلام. ونفس الاهمال ينطبق على النزاع الحدودي الاريتري الاثيوبي الذي يبدو من بعيد عبثيا وتكلفته باهظة على الشعبين من دون دواع حقيقية.

واذا كانت المصالحة الصومالية مدخلا مشجعا يعطي املا في ايجاد حلول لبقية مشاكل المنطقة فان مؤتمرا دوليا اقليميا للقرن الافريقي قد يكون فكرة جيدة شرط ان تكون هناك ارادة قوية لذلك وان لا يكون امنيا فقط وانما يكون مدعوما بمشاريع وحوافز اقتصادية تجعل للسلام مذاقا حقيقيا.