رزق الهبل على المجانين

TT

هو رجل مقتدر، ويتمتع بالجرأة والبنية القوية، ومن حسن حظه أنه تزوج امرأة عقيم لا تنجب، فهو ليس له أبناء يشغلونه، وقد قالت العرب قديماً إن الأبناء (مبخلة مجبنة)، لهذا كان كريماً على نفسه، وجريئاً كالتيس في مقارعة الخطوب.

وهوايته الأولى والأخيرة هي السياحة الخطرة وغير التقليدية، لهذا رتب عمله وحياته، بحيث أنه قسم إجازته السنوية إلى شهرين، أحدهما صيفي والآخر شتوي، وكثيراً ما استعرض لي مغامراته وأراني صوره، وكنت أحسده على جرأته تلك التي لا أتمتع أنا ولا بعشر معشارها. ولا أدري كيف طب وعرف شركة سياحية شغلتها ترتيب البرامج السياحية الخطرة وغير التقليدية، وهذه الشركة كما علمت منه أسسها رجل سويدي قبل خمسة عقود تقريباً وهي تحمل اسمه: «لارس إريك ليند بلاد»، وقد أسسها في أمريكا.

واستطاع صاحبنا المغامر أن يتواصل مع هذه الشركة، ويكون من زبائنها الدائمين صيفاً وشتاءً، ولم يترك شيئاً عزيزا على قلبه إلا وخاض غماره.

من الغوص، إلى القفز بالباراشوت، إلى تجاوز الطبقات العليا من الجو بالمناطيد، إلى التبت، إلى مجاهل أفريقيا، إلى جزر اندونيسيا، إلى أصقاع القطب الجنوبي، إلى غرينلاند، إلى ركوب قارب مطاطي من منابع نهر الأمازون يريد الوصول إلى مصبه، غير أن القارب جنح به وكاد يغرق بالطين والأوحال.

كانت وسائل التنقل إما على الأقدام، أو على صهوة جواد أو بغل أو حمار، بل انه امتطى يوما ظهر ثور في الصين، وركب على جمل ذي سنامين في منغوليا.

وإذا كان هناك بعض الترف في برنامجهم فمن الممكن أن يسمحوا للواحد منهم أن يركب دراجة أو عربة حنطور أو زلاجة جليد، وإذا كان ولا بد فلا بأس بركوب سيارة جيب.

وقال لي ذلك الفحل المغامر إن تلك الشركة كانت أرباحها عام 1970 لا تزيد على (3.7) مليون دولار، وفي عام 1983 وصلت إلى (36) مليونا، والآن تصل أرباحها إلى (مئات) الملايين من الدولارات، فرددت عليه قائلا: رزق الهبل على المجانين.

نسيت أن أذكر لكم أن ذلك المغامر قد توقف عن أسفاره وهواياته تلك نهائياً قبل ثلاثة أعوام، لأن حادثاً حصل له في أستراليا، وقد ذكرت ذلك في إحدى مقالاتي السابقة، حيث كان يركب مع مجموعة من السياح في سيارة جيب بمنطقة نائية ووعرة وإذا بحيوان (كنغرو) ضخم يقطع عليهم الطريق ويرتطم بمقدمة الجيب ويسقط على الأرض دون حراك، توقفوا وسحبوه عن الطريق، وقبل أن يواصلوا سيرهم طلب صاحبنا المغامر ممن معه أن يساعدوه على تسنيد الكنغرو الى جذع شجرة لأنه يريد أن يأخذ صورة معه، وفعلا سندوه، فما كان منه زيادة في تخفيف دمه، إلا أن خلع (جاكتته) والبسها الكنغرو، وخلع قبعته القش ووضعها على رأس الحيوان، وحالما التقط له الرفاق الصورة، وإذا بالحيوان الذي كان مغمى عليه فقط، ينتفض فجأة وينطلق هارباً ويتوارى عن الأنظار بعيداً بين الأحراش، وكانت في جيوب الجاكيت كل نقوده (والكردت كارد) وجواز سفره ومفكرة تلفوناته، وكذلك صور زوجته.

ومن يومها حرم السياحة والرياضة العنيفة، وأصبحت هوايته ورياضته المفضلة الآن هي لعب (البلوت) بعد أن انضم لشلة من تنابلة السلطان.

[email protected]