مضحك ذلك المفتش

TT

كان ارنست همنغواي يقول إن باريس مهرجان متنقل، إذا عشت فيها فترة سوف تحملها معك إلى كل مكان. غير أن ثمة وجها آخر للمدينة غاب عن العزيز ارنست: إذا أقمت في باريس شابا فإنها سوف تقدمك إلى نوع من الأبطال لم يعد مألوفا اليوم، هؤلاء هم السادة المفتشون الذين يطاردون كبار اللصوص ويحلون أعقد الجرائم. وللمفتشين جانب مضحك، مثل المسيو «ميغريه» بطل روايات جورج سيمونون، أو هم مضحكون تماما مثل المفتش «كلوزو» الذي أبدع في تشخيصه الممثل بيتر سيللرز.

في روايات سيمونون يكون اللص دائما شديد البراعة من أجل التشديد على أن المسيو ميغريه يفوقه دهاء. وكان المؤلف الهولندي البلجيكي الفرنسي يضع رواية جديدة كل أربعة أيام تتهافت الناس على شرائها وعلى تضخيم ثروته، وذلك في زمن لم تكن فيه لعبة «ننتندو» ومطاردات الكترونية وألعاب فضائية، وكان من المفترض أن يظل هذا النوع من الكتابة حكرا على بلاد أغاثا كريستي وآرثر كونان دويل، لكن موريس ليلان مؤلف (أرسين لوبين) وبعده سيمونون قلبا ظهر المجن للجيران عبر القنال. وأرجو أن تعجب خاطركم جملة «قلب ظهر المجن» لأنني لم أجد تعبيرا آخر اتكأكأ عليه.

وسبب العودة إلى المفتش ميغريه الآن أنني تمنيت وجوده لكي نضحك معا على حرامية هذه الأيام. إنهم لا يلقبون حتى بالاسم. فقد كنت أجلس قبل أيام في أحد مقاهي الشانزليزيه والى جانبي كيس أحمر لماع عليه اسم ماركة شهيرة. وكنت أقرأ صحيفة عربية. ولم يخطر لي إطلاقا أن المشهد دعوة صريحة للنشل. وعندما هممت بالانصراف وجدت أن الكيس الأحمر قد اختفى. وناديت النادل استوضحه، فأجاب انه مثلي، رأى الكيس الأحمر والآن لم يعد يراه. وسألته إن كان في الإمكان العثور على من أخذه، ربما بالغلط، فاقترح أن أقدم شكوى. ولم يفهم ماذا اعني عندما قلت له: إنني لا أريد أن أشكو أحدا. كل ما أريد هو الاعتذار للسارق المغفل. فلم يكن في الكيس الأحمر سوى ثلاثة كتب لجورج سيمونون طلبها مني ابن شقيقة زوجتي الذي يعمل في المغرب، لأن مدرس ابنه البكر اقترح عليه قراءتها. كم هو مضحك المسيو ميغريه.