فاروق بين الفيلم والتاريخ

TT

عادة التاريخ يكتبه المنتصرون، وهكذا كتب التاريخ المصري ككل مجلدات التاريخ العربي المعاصر. إلا أن الملك فاروق حصل حديثا عبر الكتب على أكثر مما كان يتمنى في آخر حياته، عندما عاش منفيا برواية تاريخ واحدة ضده. فقد اكتشف كثيرون ان آخر ملوك مصر لم يكن بالسوء الذي صورته ماكينة الدعاية الناصرية، كان وطنيا وديموقراطيا ومتسامحا ومعتدلا. صورته دعاية الثورة على انه عميل، ودكتاتور، ودائما مخمور. لكن فاروق لم يكن ايضا زعيما بلا خطايا، ابرزها وأخطرها ضعف حكمه، الذي كان سيقود الى تغيير ما في النظام او انقلاب عليه، كما وقع لاحقا في مطلع النصف الثاني من القرن العشرين.

ويظهر الملك فاروق من قبره من خلال المسلسل التلفزيوني «الملك فاروق» ليكون فجأة لاعبا مهما في رواية التاريخ الذي كتبته بتشويق لميس جابر وباخراج جميل من حاتم علي. المسلسل يحاول ان يروي القصة لعامة الناس بعيدا عن تأثير السياسة، فنحن نتحدث عن تاريخ انقضى منذ أكثر من نصف قرن.

الملكية لن تعود الى مصر الا رومانسيا في الافلام فقط، أما روايتها فستبقى جزءا مثيرا للجدل في التاريخ العربي كله، وأهميتها انه لا يمكننا فهم تاريخنا اليوم بدونها. وهذه ليست مبالغة فاسباب عجزنا في التعامل مع الحاضر السياسي تكمن في عجزنا عن تصور الماضي القريب وكيف دارت الاحداث، وعلى رأسها التعاطي مع القضية الفلسطينية التي استخدمت ككرة قدم يركلها الانقلابيون والمعارضون.

الذي استجد في الرواية السياسية انها اصبحت عملا فلكلوريا شعبيا، ومن خلال السلسلة التلفزيونية التي ستثير الخيال وربما النقاش. الخيال التاريخي جزء مهم في صنع الحاضر، فالحرية الاعلامية والديموقراطية التي مرت على مصر في تلك الحقبة ستفاجئ كل من لم يدرس التاريخ الا عبر الكتب المدرسية الرسمية.

هذا التراكم الثقافي، والتجريب السياسي يستحق ان يفتخر به، ولا يمكن الغاؤه من الذاكرة فقط لأن الانظمة السياسية قررت ان تغلقه بالشمع الأحمر. وأتصور ان التاريخ العربي المعاصر لم ولن يفهم بشكل كامل من دون اعادة تمثيل محمد علي، ليس لأنه قضى على المماليك والإنجليز معا في مصر فقط، بل الأهم انه هو الذي بنى مصر الحديثة. رغم انه مرت عليه مائتا عام يبدو تاريخه كدولة حديثة تضاهي اي دولة غربية. فهو الذي أدخل التعليم والتصنيع وطور الأنظمة وغير وضع مصر الى دولة قيادية.

سيدهش المشاهد العادي من تاريخه، كما يفاجأ اليوم وهو يشاهد «الملك فاروق»، وهنا ينور التلفزيون كل بيت، وكل عقل، حيث سيجعله يستغرب لماذا تقدمت اليابان التي بدأت بعد مصر، وتراجع العالم العربي. مع الوقت تصبح توقعات المشاهد العادي مبررة، وسترفع سقف المطلوب تطويريا وسياسيا. أما العاملون في الحقل السياسي فلا يستطيعون ادعاء الحقائق مقلوبة او فرض نظرية تاريخية واحدة واحتكار العواطف باتجاه تيار ضد آخر.

[email protected]