لبنان: الفيديرالية مرفوضة والحكومتان بداية التقسيم

TT

باختصار، اللبنانيون ملّوا وقرفوا. وإذا تجنبنا الحديث عن الطبقات الاجتماعية في لبنان، التي يفرقها الثراء والفقر إنما يجمعها الملل والقرف، يمكن القول إن في لبنان اليوم طبقتين من الناس: الناس العاديون وهم الاغلبية، والسياسيون من كل جنس وصنف، ولا شيء يجمع بين الطبقتين. وإذا اردنا استثناء المنضوين تحت راية «حزب الله»، فإن ما يجعل هؤلاء مختلفين عن البقية، هو ان «حزب الله» يؤمّن لهم معيشتهم اليومية المادية، ولو قصّر لربما اختلف الامر، اذ لا شيء يجعلهم مختلفين عن بقية اللبنانيين.

اللبنانيون يبادرون بالسؤال: هل سيتم انتخاب الرئيس «العتيد» وننتهي من هذه القصة التي «لم تترك ستراً على احد من السياسيين»؟ في الصباح تنطلق اذاعات الـ«إف. إم» في احاديث مع هؤلاء السياسيين، وفي الليل «تفلت» المحطات التلفزيونية مع السياسيين انفسهم، ولم يبق سوى ان يطل «هؤلاء» السياسيون «عراة» من الملابس، بعدما سقطت كل أوراق التين عن لغة الخطاب السياسي الذي يستعملونه.

تسأل اللبنانيين عن السياسة والسياسيين فيردون: وهل سمعت بالفضيحة الاخلاقية التي وقعت في مدينة كان الفرنسية؟ تسألهم عن 14 آذار، فيحدثونك عن «هيئة الاغاثة»، تسألهم عن 8 آذار، فيقولون: إن وليد جنبلاط متضايق من شراء الشيعة لأراض في منطقة جزين وحواليها، لأنهم بذلك يقطعون تواصله مع جبل الدروز، أما هدف الشيعة فهو وصل البقاع والجنوب، انهم يقيمون دولتهم.

هل فعلاً بدأ «حزب الله» بإقامة دولته؟ أسأل احد السياسيين المطلعين فيقول: «عندما قال الامين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله إن نهر البارد خط احمر، اسيء فهم قصده، ولو اطلعت على التحقيقات التي جرت مع الموقوفين من «فتح الاسلام» لأدركت انهم كانوا يخططون لإقامة امارتهم في الشمال. لم يدعم حزب الله الجيش اللبناني في عملياته ضد نهر البارد، ولم يهنئه بانتصاره. في نظره لو تُرك الامر لما كان مقدراً ان يكون، لأصبح لـ«السنّة» دولتهم، فتقوى بذلك حجة حزب الله في اتمام اقامة دولته».

واسأله عما اذا كان لبنان في هذه الحالة متجهاً الى التقسيم او الى الفيديرالية؟ فيجيب: «ان الفيديرالية لم تعد مقبولة من بقية اللبنانيين، لأن حزب الله في هذه الحالة سيصر على وزارتي الخارجية والدفاع، وهذا يعني الحرب. ثم ان قيام حكومتين في لبنان يعني بداية التقسيم».

ويضيف: «ان المشكلة في لبنان هي سلاح حزب الله، الذي صار معدياً، الكل بدأ يتسلح. ولم يعد احد يصدق ان حزب الله لن يخوض حرباً اهلية، فإذا تعلق الامر بنزع سلاحهم، عندها كل شيء مستباح في نظرهم ويتحولون الى الحرب الاهلية». ويؤكد نقلاً عن مصادر من دمشق، ان «لا السوري ولا حزب الله يريدان ميشال عون رئيساً للجمهورية، لكن بسببه هما قادران على شل البلد».

ويخبرني احد «المقربين» من «حزب الله»: «ان الحزب فوجئ بالضجة التي «افتعلتها» الحكومة بالنسبة لإمدادات خطوط الهاتف الخاصة به، لأنها كانت على علم بذلك، لكنها ارادت الضغط على الحزب وإحراجه».

وحسب مصادر لبنانية مطلعة، فان تمديد خطوط الهاتف للحزب بدأ قبل حرب تموز (يوليو) الماضي بثلاثة اشهر، وعندما قصفت اسرائيل رداً على خطف وقتل جنودها، ضربت في الايام الاولى ساحة مار مخايل، والغبيري والمريجه، لأن تجمع تحويلات خطوط الهاتف كان فيها، وهذا لا يعني ان الحزب مخترق، بل لأن خطوط الهاتف ظاهرة. وتؤكد المصادر ان الحزب حالياً، صارت لديه محطات تحويل كهربائية، وهو يؤمن الكهرباء للبيوت في مناطقه مقابل عشرة دولارات في الشهر، اما المربع الامني الجديد فانه يبدأ من منطقة المريجه في الضاحية ويصل حتى الكفاءات في السقي، وقد صارت المريجه مركزاً مهماً لقيادة الحزب، وان احد كبار مسؤولي الحزب اصيب في ذراعه خلال الحرب، بينما كان مختبئاً في مقر ملاصق لـ«جامع العرب» الواقع على الطريق التي تصل برج البراجنة بالمريجه.

قد لا تقع حرب بين «حزب الله» وإسرائيل فوق الارض اللبنانية، لكن كثيرين يتحدثون عن حرب داخلية محتملة، وقد شرح لي احد المسؤولين اسباب ابراز الامير طلال ارسلان ووئام وهاب (وزيران سابقان) وأبعاد بيانات «التهديد» التي يلقيها كل منهما ليلياً تقريباً، ورسم لي «خريطة» الحرب الجديدة المتوقعة، بأسماء المناطق الساحلية والجبلية والشمالية، ومن يسلح من، ومن يدرب من. اذا شعرت ان لبنان مقبل على الخضات، عندها سأنشر التفاصيل والأسماء. اما الآن ولأن السياسيين «ظاهرياً» يقولون انهم يخوضون معركة الرئاسة، فان اللبنانيين يذكرونك، بأنه ما من رئيس للجمهورية أُنتخب من دون موافقة سوريا، إلا وقُتل.

أبرز الساعين الى منصب رئاسة الجمهورية هو الجنرال ميشال عون، والملاحظ ان ابرز منتقديه هو كارلوس اده، عميد حزب الكتلة الوطنية. واسأله عما اذا كان سبب انتقاده الدائم للجنرال عون نوعاً من الانتقام بسبب عدم فوزه في الانتخابات الاخيرة في منطقة جبيل وفاز في المقابل مرشح عون؟

يقول اده، انه لا يرى الامر من هذه الزاوية، «لأن الجنرال انتقل من محل الى محل آخر معاكس. وأنا لا انتقد الجنرال إلا بعد تحليل لمواقفه مبني على ثوابت (...)، عندما كنت اجتمع مع الجنرال في باريس لم يكن تفكيره بعيداً عن تفكيرنا في موضوع العلاقة مع ايران وسوريا ومع الذين كانوا وما زالوا متحالفين مع سوريا. لقد تغير الخطاب اليوم كلياً. في السابق كان يقول اشياء يقول عكسها اليوم خصوصاً بالنسبة لسياسة الولايات المتحدة في لبنان، وسوريا، وحزب الله والإرهاب».

ولكن، لماذا ترفض انت وقسم من 14 آذار وصول الجنرال عون الى رئاسة الجمهورية؟ يجيب: «انا لست مع وصول او ضد وصول احد، انا مع الوصول الى الاستقلال والسيادة الكاملة في لبنان. ان خروج الجيش السوري من لبنان ليس كافياً، وما نزال بعيدين عن سيطرة الدولة اللبنانية على كافة الاراضي اللبنانية، اذ لا تزال هناك مربعات أمنية، والسلاح في يد فريق معين، مع وجود اطراف تشعر بأن من حقها توريط لبنان في حرب عندما تشاء من دون اخذ رأي الدولة اللبنانية او الشعب اللبناني».

ايضاً من الطامحين المعروفين الى منصب الرئاسة النائب بطرس حرب (عن البترون). وفي اتصال مع مصدر اميركي سألته عن المرشح الذي ستدعمه واشنطن اجاب: لا احد، اذ ان المقال الذي نشر في صحيفة «نيويورك تايمز» (9 اغسطس 2007)، بعد انتخابات المتن، وجاء فيه ان كل من تدعمه واشنطن في لبنان يخسر، وابرز دليل هو خسارة الرئيس السابق امين الجميل في انتخابات المتن، اثر على توجهات البيت الابيض لدرجة تصديق هذه المعادلة». ثم اضاف: «هناك شح في الشخصيات المارونية المؤهلة لهذا المنصب..».

وأثناء ذكر اسماء المرشحين توقف عند اسم النائب بطرس حرب وقال: ان من المستحيل ان تدعم واشنطن ترشيحه، ذلك ان ابن عمه واحد من مؤسسي «حزب الله»! وأمام حيرتي قال: لقد ابلغونا ان راغب حرب هو ابن عم بطرس حرب.

ولم اعرف اذا كنت اقنعته بأن راغب حرب من الجنوب وبطرس حرب من البترون، والأول شيعي والثاني ماروني، وانه اذا عدنا مائة سنة الى الوراء لربما اكتشفنا خيط القربى بينهما.

ومع وصول الاستحقاق الرئاسي على الابواب، جاءت مبادرة رئيس المجلس النيابي نبيه بري، وبالمناسبة هناك من يتساءل في لبنان: لماذا كان الاعتراض على التمديد ثلاث سنوات اضافية للرئيس اميل لحود، ولا احد يشير الى ان نبيه بري في منصبه منذ اكثر من 15 عاماً؟

الرئيس بري وعد اللبنانيين العام الماضي بانتظار مفاجأة منه مع عيد الفطر، ثم غيّر رأيه، ومع قرب كل عيد كان يعد بمفاجأة «سارة» ثم يواصل اغلاق مجلس النواب. والآن طرح مبادرة قال عنها البعض انها ابدلت «الثلث» المعطل بشرط «الثلثين». واسأل كارلوس اده عن مبادرة نبيه بري فيقول: «لا اريد ان اكون سلبياً، وان شاء الله تؤدي هذه المبادرة الى نتائج، ولكن كما في المبادرات السابقة كنت اقول انها لن تؤدي الى نتيجة، والآن اشك في امكانية ان تعطي مبادرة الرئيس بري اي نتيجة».

لماذا ؟ «لأنه يجب ان نعرف من هو صاحب القرار، بالطبع ليس نبيه بري او حزب الله، بل ايران وسوريا، وعندما تدير هاتان الدولتان معركة رئاسة الجمهورية، فانهما لا تضعان مصلحة الشعب اللبناني في اولوية اهتماماتهما. همهما الاول هو مصالحهما الاستراتيجية في لبنان، ولأننا لا نستطيع التوصل الى سياسة توافقية تشمل اهم المواضيع التي تهم الدولتين، فإننا لن نستطيع التوصل للاتفاق على رئيس جمهورية توافقي. وإذا لم نحل هذه المشاكل، فسيكون رئيس الجمهورية المقبل ضعيفاً، وسيبقى كل طرف متمسكاً في مواقفه. والمواقف التي لن نتنازل عنها هي المرتبطة بسيادة لبنان».

ويقول لي سياسي لبناني مخضرم، ان السوريين يثقون بنبيه بري اكثر من ثقتهم بـ«حزب الله»، فولاء الحزب لإيران اكثر منه لسوريا، والسوريون كانوا وراء التحالف الانتخابي بين «امل» و«حزب الله» الذي سمح لكتلة «امل» بالفوز بـ 15 مقعداً في البرلمان، وابقوا على بري رئيساً للبرلمان وعبر منصبه استطاع ان يوظف آلاف الشيعة في الدولة وأيضا في القطاع الخاص. انه رجلهم في لبنان.

يوم الثلاثاء المقبل، سيفتح مجلس النواب ابوابه بعد اغلاق استمر اشهراً، ونرجو ألا يكون الصدأ قد بدأ يأكل المفتاح.