الإنسان والفأر

TT

إنني ممن يعتقدون بأن الغنى مفسدة. يلي ذلك اعتقادي بأن غنى أمريكا يفسد حياتها ومكانتها. كل هذه الأبحاث العقيمة والمفسدة أحيانا مردها المبالغ الكبيرة المتوفرة في الجامعات. كل ما عليك هو أن تقنع إدارتها بأن لديك فكرة تريد إثباتها لتحصل على آلاف الدولارات في البحث وراءها ثم تقدم تقريرا يضعونه على الرف.

هذا ما قام به فريق من العلماء مؤخرا قضوا أشهرا طويلة في صحبة الفئران. ما كانوا يسعون إليه هو إثبات أن الزواج التعددي، أو تعدد الزوجات، يعود إلى جين خاص في الدماغ. لاحظوا أن الفأر يحب التعددية، مثل بل كلنتن، في حين أن الفول (وهو فأر المزارع) يحب الانفرادية مثل جورج بوش. عمدوا إلى نقل جين من فول إلى فأر، فلاحظوا أن الفأر أصبح مخلصا لزوجته.

هذه تجربة في منتهى الإزعاج ولا أدري كيف سكتت عنها جمعيات الرفق بالحيوان. فما ذنب هذا الفأر المسكين ليتدخل هؤلاء العلماء الفضلاء في حياته الخاصة؟ إذا كانوا يريدون التحقق من فكرتهم فلماذا لم يجربوا ذلك على البشر؟ أن يأخذوا على سبيل المثال جينا من جورج بوش وينقلوه إلى بل كلنتن ويلاحظوا ما إذا كان ذلك سيغير سلوكه فلا يتحرش ببنات الناس وسكرتيرات المكاتب.

ما انتظره من هؤلاء العلماء هو أن يقوموا بفحص جيناتهم الخاصة ليتأكدوا من وجود جين خاص يجعل صاحبه يعتقد بما اعتقدوا به وهو أن البشر مثل الفئران في حياتهم الزوجية ولا يحتاجون إلى مقومات أخلاقية أو دينية ليصبحوا مخلصين لزوجاتهم. كل ما يلزمنا هو جين صغير ينقله الطبيب من دماغ حيوان الفول الينا لنصبح مثل الفول فلا نخون نساءنا.

لو كانت الفئران مثلنا تماما في التفكير والسلوك لبادرت إلى تشكيل نقابة تدافع عن حقوقها ضد أمثال هؤلاء العلماء. إذا كانت الفئران تفضل تعدد الزوجات فلا أعتقد أن من حق أحد أن يتدخل في شؤونها. إذا كانت أحوال الفئران هي ما تهمهم فكان الأجدر بهم أن يبحثوا عن الجين الذي يجعل القطط تأكل الفئران وتجعل البشر يضعون السم في طعامها.

مرارا وتكرارا يجرب العلماء عقارا للسرطان أو الملاريا على الفئران والأرانب ويحصلون على نتائج مشجعة، ولكن العقار يفشل عند استعماله مع البشر. لا أدري ما الذي يجعلهم يعتقدون أن الموضوع يختلف بالنسبة للسلوك وأن الحيوانات مثلنا تماما سلوكيا وأخلاقيا. وهو غير صحيح مطلقا. نحن مثلا نقتل بعضنا البعض. الفئران لا تفعل ذلك. بيننا من يغتصب النساء. الفأر لا يغتصب فأرة. بيننا من ينهب ويكتنز الثروة ويترك الآخرين يموتون جوعا. الفئران لا تجوع بعضها البعض. نحن نهجم على جيراننا. ولكنني لم أر فأرا يخرج من جحره ليهجم على جحر مجاور. لا أفهم كيف يتصور أي عالم الفئران وكل الحيوانات على نفس الدرجة من الانحطاط الخلقي بحيث تكون مشابهة لنا في السلوك.