أخبار أفريقية سارة

TT

بوصفي من الذين عملوا في أسوأ مناطق الحرب في افريقيا خلال فترة ربع القرن السابقة، عادة ما اكتب حول الفظائع التي ترتكب ضد المدنيين والحكم الاستبدادي والمجاعة. هذا هو نوع المواضيع الذي اعتاد عليه الاميركيون في المقالات التي يكتبها المراسلون من القارة الافريقية. وبعد سنوات من معرفة كيفية التعامل مع جهات مثل ميليشيات الجنجويد، في اقليم دارفور، والمسلحين الصوماليين والأطفال الجنود في شمال اوغندا، اشعر بأنني اكثر تفاؤلا تجاه مستقبل القارة الافريقية مقارنة بشعوري خلال بداية فترة عملي.

انتخاب مسؤول تأمين سابق الاسبوع الماضي رئيسا لسيراليون هو آخر المؤشرات على التقدم الذي يحدث في القارة. وعلى الرغم من وجود اضطرابات منفصلة هنا وهناك، فإن أداء رئيس سيراليون الجديد ايرنيست باي كوروما القسم يمثل صورة عكسية لما يتوقعه كثيرون من القارة الافريقية.

عدد الذين سمعوا عن انتقال السلطة في سيراليون أقل من الذين شاهدوا فيلمBlood Diamond الذي صور سيراليون بلدا يسيطر عليه الاطفال الجنود المرتبطون بمافيا الماس. كما ان العالم سمع قبل سنوات عن الفظائع التي ارتكبت في هذا البلد من جانب جماعات التمرد التي عاقبت المدنيين على مشاركتهم في التصويت بقطع ايديهم، فضلا عن التقارير التي كانت تتحدث عن نشاطات غسل الأموال بواسطة شبكة «القاعدة» من خلال التعامل مع عناصر محلية في الماس. لكنني عندما عملت مراقبا خلال الجولة الاولى من الانتخابات شرق سيراليون الشهر الماضي، بات من الواضح ان هذا البلد قرر السير في اتجاه جديد مصمما على استشراف مستقبل افضل.

نقطة تحول سيراليون تأكيد قوي على ان مستقبل القارة الافريقية. إذ ان سيراليون ودولا افريقية اخرى مثل ليبيريا وجنوب افريقيا وموزمبيق وبوروندي، التي قطعت شوطا كبيرا باتجاه الديمقراطية والسلام، بدأت بالفعل تعكس قصة تختلف تماما عما درج الناس على سماعه حول هذه القارة. هذه الدول بدأت تتحدى التاريخ وسقف التوقعات المتدني للعالم الخارجي.

كانت سيراليون خلال القرن الثامن عشر مركزا رئيسيا في نشاط تجارة الرقيق عبر المحيط الأطلسي. ومعظم الأفارقة الذين نقلوا عبر المحيط انتهوا الى مزارع ساوث كارولاينا وجورجيا. احتل البريطانيون سيراليون الى ان نالت استقلالها عام 1961.

قبل انطلاق العملية الانتخابية كانت كل مؤشرات النزاع تشير الى «الأحمر»، وتوقع من يطلق عليهم «خبراء الشؤون الافريقية» نزيف دم في سيراليون. إلا ان العكس تماما قد حدث وهذا ما شاهدته خلال عملي في مراقبة انتخابات الرئاسة الاخيرة، وهي الانتخابات التي أدارتها مجموعة من أميز المراقبين الذين عرفتهم.

لم نتلق سوى تقرير عن اعمال عنف، طلق ناري واحد خلال فترة الانتخابات بكاملها ـ طلق ناري واحد اطلق احتفالا عبر نافذة الفندق الذي كنا نقيم به. بقي الجيش في ثكناته، وساعدت قوات الشرطة في بسط الامن. ويمكن القول انه خلال عملي في مراقبة الجولة الاولى من الانتخابات في اغسطس (آب) ثم الجولة الاخيرة هذه الشهر، لم تكن هناك سوى بضعة حوادث عنف معزولة طغى عليها المد الهائل لجهود منظمات المجتمع المدني في سيراليون والكنائس والمساجد ومسؤولي الحكومة لضمان إجراء انتخابات حرة ونزيهة وآمنة.

ومن خلال احاديثي مع الاطفال الجنود الذين عملوا في الميليشيات سابقا اتضح لي تماما انهم وعوا تجارب كثيرة وأصبحوا أكثر وعيا. قال لي واحد من هؤلاء ان يوم انتخابات الرئاسة «يوم جديد تماما للبلاد»، وقال لي آخر انهم كانوا يقاتلون في لا شيء، فيما كشف لي ثالث انه ارتكب فظائع في الأحراش، لكنه قال ان الواقع الجديد في البلاد يعني نهاية حكم الغاب.

ثمة شعور مشترك بأن الحرب أنهكت الكل، حتى الجنود الاطفال الذين عملوا في صفوف الميليشيات، إذ يرفض جميعهم الآن فكرة استغلالهم للقتال لينتهوا الى لاشيء. ويصر كل هؤلاء المقاتلين السابقين الذين التقيتهم في «تونغو فيلدز» والعاصمة فريتاون التي مزقتها الحرب على انهم لن يعودوا مطلقا الى حياة الحرب في الأدغال.

*خدمة «واشنطن بوست»

خاص بـ «الشرق الاوسط»