مواقع الإنترنت العربية .. ضرورة التطوير والتحديث

TT

تشهد مواقع وخدمات الإنترنت في الدول المتقدمة تطوراً ونمواً وتنافساً هائلاً وسريعاً ومستمراً، فعن طريق شبكة الإنترنت يمكن الآن مشاهدة البرامج التليفزيونية وعقد المؤتمرات والعلاج الطبي وتشخيص الأمراض عن بعد والعمل عن بعد، وغيرها من الخدمات الحديثة، وسوف تشهد السنوات القليلة المقبلة العديد من الخدمات والاختراعات في مجال الإنترنت.وقد أصبحت خدمات الإنترنت الآن صناعة هائلة توفر للعديد من الشركات مليارات الدولارات، وتدخل ضمن ما يسمى باقتصاديات محركات البحث، فعلى سبيل المثال قامت شركة «غوغل» Google الأميركية ـ صاحبة الموقع البحثي الشهير ـ بشراء موقع «يو تيوب»You Tube الشهير بمشاهدة لقطات الفيديو، بمبلغ وصل الى1.65 مليار دولار. لهذا فان تصميم وتحديث محتويات مواقع وخدمات محركات البحث على الإنترنت يحظى بعناية بالغة في الدول المتقدمة، فصناعة المحتوى الرقمي على سبيل المثال يبلغ حجمها في الولايات المتحدة أكثر من 255 مليار دولار، وفي أوروبا أكثر من 186 مليار دولار، أما حجم توزيع المعلومات فقد بلغ في الولايات المتحدة أكثر من 160 مليار دولار، وفي أوروبا أكثر من 165 مليار دولار، وبلغ حجم معالجة المعلومات أكثر من 151 مليار دولار في الولايات المتحدة، وفي أوروبا أكثر من 193 مليار دولار. وفي مؤتمر لاستراتيجيات محركات البحث Search Engine Strategies Conference عقد في ولاية كاليفورنيا الأميركية أواخر شهر أغسطس (آب ) الماضي، قال جيم لانزون Jim Lanzone المدير التنفيذي للموقع الشهير (Ask.com) أن تكنولوجيا البحث بينما كانت مقتصرة في مرحلة معينة على توفير قائمة من الروابط، أصبحت الآن تقدم نتائج بحث أكثر صلة بموضوع البحث وتوفر خيارات أكبر وأدوات أكثر، كما أن البحث على الإنترنت سوف يصبح على مدى السنوات العشر المقبلة الطريقة الأفضل لاستعراض عالم المعلومات والوسائط. ولكن نظرة سريعة على مواقع الإنترنت العربية وبخاصة الرسمية منها ـ فيما عدا القليل ـ نجد أنها ما زالت محدودة وبخاصة مواقع «التجارة الإلكترونية»، وتعاني من مشكلات في التسويق للأفراد بسبب العديد من المخالفات، كما أن ما زال هناك فجوة كبيرة بين ما يقدمه المحتوى الرقمي العربي وتطلعات المستخدمين لشبكة الانترنت. فعند محاولة تقييم مواقع الانترنت العربية من حيث تصميمها وتطويرها ومحتواها وما تقدمه من خدمات، نجد أنها أغلبها بشكل عام مدونات شخصية ومواقع للدردشة والتسلية، ولا تتناسب مع التقدم الحادث والمتسارع في مواقع الإنترنت العالمية، فمثلاً تعد مواقع الجامعات حول العالم، أحد معالم التقدم والتنافس والتقييم العلمي، لذلك تراعي الجامعات أهمية بناء وتصميم مواقعها من خلال استراتيجية واضحة المعالم وفعالة على شبكة الإنترنت لزيادة الاستفادة منها.

ولكن عند محاولة البحث عن مواقع لإحدى الجامعات أو الكليات العربية نجد أنها قد تكون غير موجودة بالمرة، فقد تفاجأ بكلمة «هذا الموقع تحت الإنشاء»Under Construction، وان وجدت لا ترقى لأبسط المستويات والمعايير العالمية، فعند البحث على سبيل المثال عن أعضاء هيئة التدريس في احدى الجامعات العربية، تجد كلمة «لا توجد بيانات حالية»، أو بالبحث عن الأخبار الحديثة كالمؤتمرات والبحوث والدوريات العلمية للجامعات والكليات العربية، نجد أنها غير موجودة، وان وجدت قد تكون عن سنوات سابقة.

لقد أصبح تقييم مواقع محركات البحث على الإنترنت الآن يتم وفق معايير دولية، منها مدى الثقة وامكانية الاعتماد عليها، والمسؤولية الفكرية بمعنى المؤهلات العلمية لمعد ومدير الموقع، وهوية الناشر هل شركة أو مؤسسة أو هيئة حكومية أو شبكة شخصية، وموضوعية الموقع، بمعنى الأهداف التي يحاول الموقع تحقيقها، وحداثة الموقع، بمعنى متى تم اعداد الموقع، ومتى تم تحديثه، وهل هناك روابط على الموقع، هل يتم تحديثها باستمرار، ومدى تغطية الموقع لمصادر المعلومات على الانترنت، بمعنى هل هناك توازن بين النصوص والصور، وهل يتم توثيق المعلومات المتاحة على الموقع، وهل يحتاج الموقع لبرامج خاصة ليتمكن المستخدم من تصفح ما فيه من معلومات.

لقد أصبح هناك ضرورة للاسراع في انشاء وتصميم مواقع انترنت عربية متميزة وتزويدها بالمعلومات والمعارف المتجددة التي تهم العرب والعالم، بدلاً من الاعتماد على الشركات والمواقع العالمية، وهناك ضرورة أيضاً لتصبح هذه المواقع وبخاصة الرسمية منها، بلغات عالمية تسمح للهيئات والمؤسسات الدولية باستخدامها والاستفادة منها، ويتطلب هذا تعاونا فعالا لوزارات الاتصالات في الدول العربية لإعطاء دفعة قوية وفعالة للاهتمام بصناعة المحتوى الرقمي العربي على الانترنت، من خلال استراتيجية واضحة المعالم والأهداف تسمح بالاستفادة من الشركات المتخصصة العاملة في مجال تصميم مواقع الانترنت وصناعة المحتوى، من أجل تصميم مواقع انترنت عربية متميزة قادرة على تلبية احتياجات المستخدم العربي والأجنبي وفي نفس الوقت تعمل على الحفاظ على الهوية والثقافة العربية في القرن الحادي والعشرين.

* كاتبة وباحثة مصرية مهتمة بالشؤون العلمية