مافيا لبنان

TT

من لم يشاهد فيلم (القاد فاذر) أو العراب، بأجزائه الثلاثة، الذي لخص للعالم في السبعينات أسلوب المافيا في إدارة أعمالها، من خلال التصفية الجسدية للخصوم، أي الاغتيال، لم يفته شيء، فكل ما عليه فعله هو متابعة ما يحدث في لبنان اليوم، الذي يمكن اعتباره، عن جدارة، الجزء الرابع من فيلم العراب.

فبينما أبواب البرلمان مغلقة، يتم التعديل الدستوري في الشارع. فبدلا من استخدام الأساليب الانتخابية لتأمين الفوز بالكرسي الرئاسي في لبنان، تتم تصفية الخصوم واحدا تلو الآخر في الشارع. ويكتب الصحافي مقالا انتقاديا، فتتم تصفيته مباشرة.

وما أن تتعقد الأمور دستوريا في العدد والنصاب، حتى يتم اغتيال نائب هنا، وآخر هناك، ولا أظن أن اغتيال النائب انطوان غانم سيكون الأخير.

هذا هو وضع لبنان.. وهذه هي طريقة المافيا، حيث يدار العمل بتصفية الخصوم. وليس لذلك علاقة بالديموقراطية أو الانتخابات، ناهيك من أن لا علاقة له، أيضا، بمصلحة البلاد، كما أن ما يحدث في لبنان ليس له علاقة بمواصفات رجل الدولة، أو الحريص على الوطن ومصالحه.

وجميل هنا أن نتذكر مقولة شهيرة تلخص الكثير مما يحدث في لبنان وغيره في عالمنا العربي، وهي أن «السياسي هو الذي يفكر في الانتخابات القادمة، ورجل الدولة هو الذي يفكر بمستقبل البلاد».

وعلى الرغم من سقوط أبرياء في عمليات الاغتيال التي تتم في لبنان، فإنه دائما ما يتم تصوير الوضع على أنه ضريبة الديموقراطية، وأن الأوطان الحرة دائما ما تسقى بالدم، مع أن المؤكد هو أنه في حال وصل للرئاسة اللبنانية رجل غير مقبول للمافيا، التي تعبث في لبنان، فإن مصيره سيكون الاغتيال، وما أكثر الرؤساء الذين تمت تصفيتهم في لبنان.

وعليه فالحل في لبنان تلخصه قصة قديمة، لا تخلو من حكمة، تقول «سرق فأس من رجل في أطراف الريف، فهب يستنجد بأولاده الشباب، ويحثهم على أن يتربصوا بالسارق ليلقنوه درسا. ضحك الأولاد وقالوا: نخوض معركة من أجل فأس؟

بعد أيام سرق دجاج ذلك الرجل الكهل، فهب إلى أولاده يستنجد بهم، كان ردهم مشابها: لا داعي لمعركة من أجل دجاج. وبعد أيام اغتصبت ابنة الرجل، فجاء الأولاد وكلهم شر وأبلغوا والدهم بأنهم ينوون قتل الفاعل. ضحك الرجل العجوز وقال: لا داعي، لو أعدتم لي فأسي المسروق، لما سرق الدجاج، ولما تطاول السارق على أختكم».

وهكذا يمكن القول إنه لو لم يضع دم الشهيد رفيق الحريري كل هذه السنين، لما وصل حال لبنان اليوم إلى ما هو عليه، ولما تمادى الفاعل بهذا الشكل الإجرامي، الذي يجعل لبنان مافيا لا تشبه إلا فيلم (القاد فاذر) حيث بات القتل يقوم مقام التعديل الدستوري، ويصبح البلد كله رهينة عصابات تختبئ تحت مسميات مختلفة. مشكلة لبنان، والعالم العربي، أن لا أحد يدفع ثمن الدم والدمار.

[email protected]