مشغول وحياتك مشغول

TT

الاعلام البريطاني مشغول مشغول. التليفزيون يرصد اقبال المودعين على سحب ارصدتهم من بنك نورذرن روك خوفا من افلاس البنك وضياع الاموال رغم أن البنك المركزي يدعم البنك المهدد. في الازمات اجد ان طبيعتي المتفائلة تخلق من الفسيخ شربات. اما الفسيخ فهو ان تتعرض البنوك الامريكية لهزة فتتحرك بعض القوى الخفية لتفتعل هزة في الاقتصاد البريطاني. والشربات هو احساسي بالارتياح لأنني لا رصيد لي لا في النورذرن روك ولا في غيره والحمد لله على راحة البال.

منذ أيام عاتبتني قارئة لأنني في رأيها لا اهتم بالشأن العراقي اهتمامي بشؤون اخرى. والتمست لها العذر لأنها لا تعرف قدر انشغالي بقضايا الوطن الكبير ولأنني حين اكتب افضل ان اترك العيش للخباز مهما كانت الرغبة ملحة في الاقتراب من الفرن. فالتحليل السياسي له اساتذته وفلاسفته وعلى المتلقي ان يفهم قبل ان يتبنى موقفا. ولكن في بعض الاحيان تقفز من الاحداث اياد قوية تهزك هزا فتجد نفسك تتحول في ثانية من مواطن نائم الى مسحراتي يطوف بالحواري والميادين مناديا ان اصح يا نائم.

في الايام الاخيرة كثر الحديث عن اعلان الحكومة العراقية نية الغاء تراخيص شركات الخدمات الامنية في العراق مثل بلاك ووتر بعد ان تعرض مدنيون للقتل العشوائي على ايدي اصحاب السعادة الامنية.فهل كانت تلك الحادثة هي الاولى من نوعها؟ ام ان الحكومة العراقية لم تفطن من قبل الى وجود سبعين الفا من المرتزقة في العراق يتقاضى الواحد منهم الف دولار يوميا لكي يفعل ما يفعل وهو لا يخضع للقانون العراقي ولا للقانون الامريكي أو البريطاني ولا للقانون الدولي؟ أو ليست بلاك ووتر جزءا من قوات التحالف التي تعتقد الحكومة العراقية ان انسحابها من الاراضي العراقية يهدد أمن البلاد؟ عجبي.

وعجبي على الرافضين لنظرية المؤامرة الذين يلوون الشفاه ازدراء كلما اشار احد الغلابة امثالي الى احتمال وجود مؤامرة تحرك الدول الكبرى كما تتحرك قطع الشطرنج على اللوحة. ولننظر الى بدايات جوردون براون رئيس الوزراء البريطاني الذي حملته شعبيته عاليا فتصور ان بامكانه فعلا ان يضع تركة سلفه جانبا ليبدأ صفحة جديدة. لمح انه ينوي سحب القوات البريطانية من العراق فهتف له الشارع. ولكن تصريحه اغضب القوى التي كانت في السابق تعاقب المنشق بفضيحة جنسية تقضي على حياته السياسية كما حدث لديفيد ميلور حين زار الاراضي الفلسطينية المحتلة وانتقد سياسة اسرائيل. وبما أن براون اسكتلندي ملتزم لم يعرف عنه انه دون جوان فما افضل من ان يضرب في مقتل. والمقتل هنا هو اداؤه الاقتصادي الذي حمله الى 10 داوننج ستريت. اذا سادت الفوضى وزرعت بذرة الشك من المؤكد الا يهرع الناخبون لاعادة انتخاب رئيس الوزراء خوفا على فلوسهم.

منذ أيام صرح الان جرينسبان محافظ البنك المركزي الامريكي الاسبق بأن الاقتصاد الامريكي قد يبدو مهددا ولكن الاقتصاد البريطاني هو الاسوأ. ونشر التصريح في «الفينانشيال تايمز» بالبنط العريض. فهل كان التصريح عفويا؟ أم يستند الى ادلة؟ ام انه قرصة اذن تنذر بأن هناك المزيد ان لم يوظف براون ذكاءه؟

في عز ازمة النورذرن روك زار قائد القوات الامريكية والسفير الامريكي في العراق جوردون براون في لندن زيارة اعادة تنسيق.

أمثال جرينسبان كثر يسيطرون على البنوك الكبرى ويحركون اقتصاد العالم كما تتحرك عرائس الماريونيت. والى قارئتي أقول: انا اعيش هموم الوطن ولكني افضل ان اترك السياسة لمن يشتغل بها رغم يقيني من ان الحرب سياسة والسلم سياسة والفقر والجوع والتهجير واغتصاب الاوطان سياسة وحتى الطعام الذي نأكله والافلام التي نشاهدها والاخبار التي نسمعها سياسة سياسة سياسة. أدعو الله ان يكرمنا اصحاب الذكاء السياسي بالصدق والصراحة اكراما لعقولنا.