ال س ع ا د ة

TT

في هذا الصباح أفقت من نومي في حدود السادسة صباحاً، وليس من عادتي أن انهض من فراشي في هذا الوقت، غير أنني أحسست بانتعاش ونشاط وحبور عجيب، إلى درجة إنني خفت على عروق قلبي أن تتقطع من شدّة الفرحة، وقلت في سري: اللهم اجعله خيرا.

قفزت من سريري ـ لاحظوا (قفزت) ـ وهذه حقيقة كدت أن أدفع ثمنها من (الكرفسة) ولكن الله ستر، فكرت في البداية أن أصيح كأي ديك عظيم، غير إنني خجلت من أن يسمعني من في البيت فيستخفون بعقلي فوق ما هو خفيف خلقة، لهذا استحسنت للتعبير عن ما يعتمل بصدري أن اقتصر فقط على (الدندنة) أمام المغسلة وأنا انظر بين الفينة والأخرى في المرآة إلى وجهي المبتسم المصفوق.

ذهبت إلى الثلاجة وتناولت كأس العصير وأخذت اشربه وأدور على حالي وكأني ارقص (الفالس)، وبعد أن «شطبت» عليه، قذفت به إلى الأعلى حتى كاد يلامس السقف، ثم تلقفته قبل أن يسقط على الأرض بثانية واحدة على طريقة لاعب (الأكروبات).

ثم هرولت مع درجات السلالم اختصر الواحدة باثنتين، ودفعت باب مكتبي بقدمي الرشيقة، وأمسكت بمرسمتي النائمة وقبلتها فأفاقت، وصرخت في ورقتي البيضاء الملساء فانبطحت أمامي وهي صاغرة مرتعشة، فهدأت من روعها وقلت لها: لا تخافي ولا تحزني يا صغيرتي، فسوف نبدأ نحن الثلاثة معاً رحلتنا اليومية التي نعرف كيف نبدأها ولكننا لا نعرف كيف ننهيها.

كل ما تقدم حصل معي وأنا في حيرة بالغة من هذه الحالة السعيدة التي أصابتني من دون سابق إنذار.. رغم أن كل المؤشرات كانت تقول لي في المساء: إن يومك التالي يا مشعل سوف يكون اعوج من (ذيل الكلب)، واعقد من (ذنب الضب)، فيا سبحان الله كيف حصل هذا وأنا أرى يومي الآن انعم من (جلد الأرنب)، وأرشق من جسم (طائر السنونو) وهو محلق في الفضاء.

يا سلام يا ناس، ما أروع إحساس الإنسان بالسعادة.

إنني في هذه اللحظة أتذكر حواراً دار بين رجل متشائم وآخر متفائل، وعندما سأل الأول الثاني عن ماهية السعادة؟! رد عليه الثاني قائلاً: إنها شيء عجيب، فلي الآن أكثر من خمسة عشر عاماً، وكلما أعطيت الناس من سعادتي أرى أنها تزداد.

أما المتشائم فقد كان صورة طبق الأصل من (بيرجينار) وهو اشهر متعهد للمدافن في باريس في القرن التاسع عشر ـ يعني (حانوتي)، وقد شاهد رجالاً يزرعون الأشجار فقال: إن هذه الأشجار ما هي إلا (توابيت) تنمو. أما أنا فأرى أن كل شجرة تنمو من الممكن أن تساهم في صنع أعواد عزف، وكمنجات رقص.

السعادة حالة نسبية، ومشكلة البعض انه لا يكتفي بكونه سعيداً ويحمد الله على ذلك، لا، ولكنه دائماً يريد أن يكون أسعد من غيره، عندها تأكدوا في النهاية أن (السحر سوف ينقلب على الساحر).

[email protected]