حكايات سودانية في الذاكرة السعودية

TT

بين الكرة السعودية والكرة السودانية علاقة تاريخية خاصة، فاللاعب السوداني كان أول محترف في الأندية السعودية قبل عصر الاحتراف، ولم يكن اللاعب السوداني يكلف تلك الأندية إبان الخمسينات والستينات من القرن الماضي أكثر من سكنه الجماعي وبعض مصروف جيبه، وهو يتكفل بالباقي من خلال ممارسة حرفته الأساسية، وكانت الكرة السودانية في قمة تألقها على المستوى العربي والأفريقي، وأنتجت لاعبين كبار أمثال: سليمان فارس، عمر حامد، عبد الحفيظ ميرغني، الهادي صيام، سبت دودو، سيد مصطفى، حسن العبد، وغيرهم..

واختفى اللاعبون السودانيون بعد ذلك من الملاعب السعودية ولم تختف من الذاكرة أسماؤهم وتعليقاتهم الظريفة مثل: «إن فاتك الكفر لا يفوتك الزول»، لكن الكرة السودانية واجهت بعد ذلك الكثير من الحظوظ العواثر، وغابت أو أوشكت أن تغيب عن المنافسات الدولية بينما مضت الكرة السعودية في صعودها المتوالي، وحققت الكثير من المنجزات على المستوى العربي والقاري والدولي، وتجاوزت في العقود الأخيرة الاستعانة باللاعب السوداني، وغدت ملاعبها تضم لاعبين محترفين من مختلف أنحاء العالم.

لكن شمس الكرة السودانية يشرق اليوم بعد الغياب، فثمة إرهاصات لاستعادة مكانتها من جديد، وتشكل نتائج الهلال السوداني الأخيرة أمام الأهلي المصري والنجم الساحلي التونسي بيادر حضور جديد للكرة السودانية التي تتسم بالمهارة الفردية أكثر من الجماعية، وتميل إلى الإمتاع على حساب النتيجة.. والسودانيون عشاق كرة من طراز نادر، ولا شيء ينافس السياسة في حياة السوداني أكثر من الكرة، فهؤلاء الذين تفرقهم الأحزاب والجبهات السياسية يوحدهم عشق الكرة، فهم ـ في الغالب ـ ما بين «هلالي» و«مريخاوي».. وإذا كان الحديث عن الطقس بوابة الكلام مع البريطاني، فإن الكرة هي مفتاح الحديث مع السوداني، أسأله: هل أنت «هلالي» أو «مريخاوي» ليبدأ البث الحماسي الظريف، وتتضخم الكرة لتصبح بحجم الكرة الأرضية.. وعودة الكرة السودانية لمجدها تعني عودة السودانيين إلى مدرجات ملاعبها بعمائمهم البيضاء كرايات الفرح، وأهازيجهم الجميلة كقصائد العيد..

ولمن يستنكر علينا دحرجة الكرة في ملعب السياسة اليوم واجب الاعتذار، فالدنيا كروية وقد يجد الإنسان نفسه ـ أحيانا ـ عائدا من حيث بدأ.

[email protected]