إنتاج مسلسلات الدراما لشهر رمضان المبارك لهذا العام وصل لمبالغ غير مسبوقة نتاج العدد الهائل من المسلسلات التي تم انتاجها، ومع اختلاف توجهات المسلسلات إلا أن الجيد منها يبقى مدعاة للمديح والنقد البناء. فها هو مسلسل «الملك فاروق» يقدم شخصية الملك المصري الراحل بصورة مغايرة تماما عما روجت له أبواق الثورة وحكواتيها لتقدمه بصورة رجل فاسد وشرير، وفي هذا السياق لا بد أن توجه التحية للدكتورة لميس جابر، التي قدمت النص التاريخي لسيرة الرجل بعرض موزون وجريء غلبت فيه الحقيقة على المشاعر المتوارثة، وكذلك كان الاخراج المميز لحاتم علي، الذي راعى فيه التفاصيل وأحسن الى درجة كبيرة اختيار عناصر التمثيل باتقان شديد.
وهناك أيضا الجزء الثاني من الملحمة الشامية الهائلة «باب الحارة»، والتي تقدم نموذجا مصغرا للحياة نفسها من خلال حارة من حواري دمشق العتيقة بكل تياراتها وتقلباتها، وقد قدم المخرج بسام الملا مثالا للابداع في التفاصيل بشكل يكاد يكون غير مسبوق في الدراما العربية، ولعل أبرز ما جعل مسلسل «باب الحارة» يستحوذ على اهتمام المشاهدين بشكل غير مسبوق وللعام الثاني على التوالي هو تقديمه للصراع ما بين الخير والشر بشكل مبسط وجميل، وإحياؤه للعادات والأخلاق والقيم الجميلة التي اندثرت من حياة الناس.
وطبعا لا يزال مسلسل «طاش ما طاش» يلقى متابعة واهتمام السعوديين وهو يطرح قضاياهم ويثيرها ويبرزها بشكل أجرأ مما مضى وأفضل من ذي قبل، والقضايا وإن تكررت فلا تزال قابلة للطرح والتناول لأن الكثير منها ومع تداوله للسنة الخامسة عشرة لم تقدم الحلول الكافية والمطلوبة لعلاجها، وعليه فلا تزال قائمة، وبالتالي مطلوب الحديث عنها وتناولها. وطبعا لا يزال المسلسل يقوم بكشف عوراتها والتعرض لأساليب وحيل اعتادت عليها لتكريس سلطتها وبسط نفوذها.
ويقدم نور الشريف عملا لافتا باستعراضه لسيرة ذاتية لرجل أعمال صعد خلال فترة الرئيس المصري الراحل أنور السادات باسم «الدالي»، وتشير الكثير من الاقوال الى أن العمل يقصد هنا رجل الاعمال المصري عثمان أحمد عثمان (وهي مسألة نفاها نور الشريف نفسه). ولكنه عمل يجسد علاقة الاقتصاد بالسياسة وتشابك المصالح بشكل جميل ومثير.
هناك زخم من الاعمال الدرامية في هذا الشهر، ولكن لا يبقى منها في الذاكرة وفي دائرة الاهتمام والمتابعة إلا عدد بسيط جدا، وهو الذي يقدم قيمة مضافة فيها فائدة وعبر وهو تمام الفرق بين الغث والسمين.