تاريخنا الأوروبي

TT

منذ طفولتي وأنا أسمع المتعلمين والمسيسين يحثوننا على دراسة التاريخ العربي. يقولون لا تكتمل ثقافة المرء ما لم يكن مطلعا اطلاعا كاملا على تاريخنا. لم أتبع هذه النصيحة. ومعلوماتي عن ذلك لا تزيد عما قرأناه في المدرسة وما سمعته من والدي رحمه الله. عشت في هذا الجهل حتى توصلت في الأخير الى الاعتقاد بأن دراسة التاريخ العربي خطر على سلامة عقل الإنسان وعلميته وعقلانيته. ما لدينا في كتب التاريخ العربي سلسلة من الأكاذيب والافتراءات والمتناقضات لا نملك وثيقة واحدة لدعمها. وبعد أن أنفقت عدة سنوات من حياتي في الكتابة الصحافية تكونت لدي فكرة جيدة كيف يفتري الكتاب ـ وأنا في المقدمة ـ ويفبركون الوقائع والحقائق والأقوال على هواهم.

بدلا من قراءة التاريخ العربي رحت أقرأ تاريخ أوروبا. فهو تاريخ موثق. توصلت الى هذه الحقيقة: من يريد أن يفهم امتنا وما يجري فيها عليه أن يقرأ ما جرى في أوروبا في القرون الوسطى. نحن نعيش تماما كما كان الأوروبيون يعيشون في تلك العهود المظلمة. كنت أقرأ عدد «الشرق الأوسط» ليوم 7 سبتمبر فراعني فيها العنوان الذي يقول: »المالكي يبحث مع السيستاني احتمال تشكيل حكومة تكنوقراط».

قطعة أصيلة من مأثورات القرون الوسطى لأوروبا. هكذا كان الملوك و الأمراء يزحفون الى روما على أقدامهم ليلتمسوا بركة البابا على ما عزموا عليه وليستشيروه في ما يعجبه أو لا يعجبه.

وطبعا مع الفارق. فالبابوات كانوا رجال سياسة ورجال دولة ويترأسون حكومة. بدون شك كانوا يعرفون بالضبط معنى كلمة «تكنوقراط» ولا يحتاجون لمن يفسرها لهم.

وعندما نقرأ تاريخ أوروبا في القرون الوسطى، أو ما يسمى بعصر الظلمات، نجد أن الأوروبيين كانوا يذبحون بعضهم البعض، ويقطعون الطرق، ويسلبون المسافرين ويخطفون ويفتدون، ويحللون ويحرمون، ويلعب بهم رجال الدين ويتقاتلون على المراكز، ويتنازعون على الطائفة ويسرقون أموال الدولة، تماما كما يجري في العراق الآن. العراقيون يعيشون في عصر الظلمات.

وفي ضوء ذلك، أعتقد أن على المسؤولين في وزارة التربية أن يعدلوا المناهج المدرسية بحيث تضم دروسا لعصر الظلمات وعصور الهمجية وأنواع التمائم واستعمال الخرافات وإبطال السحر وتأويل الأحلام والتعامل مع الكهنوت والسحرة وقراء الفال والكف والفنجان، فهذا أقرب الى أفهام الطلبة وحياتهم اليومية المعاصرة في العراق الآن وأنفع لهم في دنياهم وعلاقاتهم مع السلطات والمسؤولين.

ولما كان الوقت المحدد للدروس الآن محصورا بسويعات قليلة فسيضيق وقت التدريس بما يتطلب تقليص المناهج. وهنا أقترح عليهم حذف كل هذه الدروس التي لا تستسيغها المرجعية، مثلا درس الجغرافيا الذي يعلم الطلاب أن الأرض كروية، وعلم الحيوان الذي يتضمن نظرية التطور ويقول إن الإنسان تطور من القردة. ولا شك أن هناك مواضيع أخرى تتطلب الحذف، مما يقتضي من السلطة ألا تتوقف عند استشارة المرجعية فقط في تعيين التكنوقراط، بل في تدريس التكنوقراطية أيضا.