طاش لم يظلم الليبرالية.. ولكن

TT

لا أعرف أحدا سبق بطلي «طاش ما طاش» الى جعل النقاش الفكري حوارا شعبيا واسعا جدا. الكوميديان ناصر القصبي وعبد الله السدحان يمارسان منذ سنوات توسيع هامش النقد، والسخرية القاسية في أحايين كثيرة، على اعتبار ان الكوميديا هي تضخيم المألوف بيننا.

نجحا في كسب أغلبية المشاهدين وإمتاع الصائمين بعد نهار شاق من الصوم والصمت رغم صعوبة الافكار ونخبويتها احيانا. ولعل استهدافهما بالنقد اللاذع، الهازئ، لدور الليبراليين يؤكد على أن «نقد السوية عدل في الرعية»، وهو نفسه مبدأ ليبرالي على اية حال. ولا يجب ان يزعج الليبراليين ما قيل في حقهم، لأنه في معظمه صحيح، فهم تنظيريون، وهذه طبيعة الليبرالية في العالم كله يحارب دونها بالحناجر لا بالخناجر، وتقوم على الإقناع لا القمع. الليبرالية لم يكن لها قط ميلشيات وسر قوتها في انحاء العالم انها ظاهرة صوتية فكرية، هكذا هيمنت على اوروبا وأميركا ومعظم الدول الحديثة. فالفكرة دائما أخطر من أي تنظيم مدجج بالسلاح، وإن بدت تخرج من افواه كسولة جبانة تختتم نقاشها النظري بالأكل وتأوي بعدها الى النوم.

اقتصاديا، من ابرز ركائز الليبرالية السوق الحرة. انظروا كيف اثبت نجاح شركات الهاتف الباهر فشل نظم الحكومات المركزية والاشتراكية، التي تسيطر عادة على قطاع الانتاج. صحيح ان التغيير هائل جدا في القطاع الاقتصادي اكثر من السياسي، لكن حتى السياسي طرأت عليه تغييرات كثيرة في العقد الماضي. كل التغيرات الحديثة تقريبا ليبرالية، وإنْ ولدت عبر بيانات حكومية او تنظيمات اصولية، من انتخاب وحرية تعبير وجمعيات ونظم مدنية. فالفكرة أقوى من السلاح، بدليل ان تنظيم القاعدة أنتج أطنانا من البيانات وأشرطة الفيديو وأسال انهارا من الدماء لكنه لم يتقدم شبرا واحدا على الأرض.

وقد لا يدرك كثيرون أن من يحمل وينثر بذور الأفكار الليبرالية في كثير من الاحيان هم خصومها. فالتيار الديني الأصولي هو الذي حمل دعوات الانتخاب، والأحزاب، والجمعيات، والحقوق المدنية، وحريات التعبير الاعلامية. فعلها لسببين، واحد انتهازي من اجل الوصول الى الحكم، والثاني عن قناعة لأنه يدرك ان الفكر الليبرالي لا يتعارض عمليا مع الاصولية كونه يدعو الى حرية الاختيار. لماذا يعارض مبدأ الاختيار الليبرالي وهو واثق من ان اختيار الاغلبية سيكون دينيا؟ لهذا تبنت الاحزاب الاسلامية الطروحات الليبرالية. وهنا يجب ان نفرق بين الفكر الليبرالي والليبراليين. فالليبرالية تصلح للإسلاميين والشيوعيين والحكوميين ايضا. كل طرف سيأخذ منها ما يناسبه، فقد تبناها اليسار في اوروبا الشرقية، ويطالب بها بحماس شديد الإخوان المسلمون في العالم العربي. اما الليبراليون فواجبهم ليس حزبيا، بل تنظيري.

وعندما تقبل الفئات المختلفة بالطرح الليبرالي البسيط، حرية الاختيار وحرية التعبير، فليس مهما ان يخسر الليبراليون الاصليون منافعها، كما خسروا في انتخابات فلسطين ومصر والسعودية والكويت وغيرها، لأن الليبرالية فكر، لا حزب، او ملك. وفي تصوري ان الليبرالية العربية ضحية سوء الفهم من خلال النظر الى الليبراليين انفسهم. انها مثل خدمة الهاتف. فالنظام يسمح بتعدد مقدمي الخدمة الهاتفية، والفرد يملك حرية الاختيار بينها، وليس مهما ان يختار خدمة هاتف ليبرالية او اصولية بعينها، وإلا ناقضت المبدأ كله. هنا يحين موعد «الكبسة».

[email protected]