نيران إيران

TT

بعيدا عن المبالغة، يبدو أن مياه الخليج العربي ستغلي مجددا.

نذر الحرب بين إيران وأمريكا تلوح في الأفق. ومرشد إيران يهدد ويتوعد، وأمريكا تفصح عن تكوين فريق عسكري متخصص في الضربات الجوية باسم «تشيكميت»، أو «كش ملك» كما في الكلمة العربية «المفرسنة»، التي تستخدم في لعبة الشطرنج حينما يسقط الملك.

لا يوجد إلا أمر عجائبي وسحري، سيمنع هذه الحرب، أمر مثل أن تعلن إيران، بدون تقية ومراوغة، عن تخليها عن السياسة الثورية والطموح النووي، في ظل نظام يحكمه أمثال نجاد وخامنئي، أو يسلم الأمريكان والغرب كله الراية باستسلام تام لإيران حتى تصبح هي سيدة الخليج كله.

وكلا الأمرين، في حسبة الواقع، لن يحصلا، ولذلك قلنا ان مانع الحرب لا بد أن يكون من عالم العجائب والسحر.

أزمة إيران، عويصة ، فهي أزمة تاريخ ودور وثقافة وقومية، غير أن هذا حديث آخر، ما يجري اليوم هو شيء أحدث من ذلك، هو أزمة نظام أصولي وصل إلى طريق مسدود. فلم تبق إلا المواجهة، هنا أو هناك، مع هذا الطرف أو ذاك.

حرب التصريحات انطلقت، والقذائف الإعلامية هلت، ومعارك الأعصاب اندلعت، فهذا مرشد الثورة، خامنئي، يقول السبت الماضي، كما في وكالة الأنباء الإيرانية، إن هدف العدو من تكرار تهديداته هو إثارة الذعر والخوف وقال إنه: «خلافا لتوقعات العدو فإنهم يرفعون مستوى استعداداتهم».

وحسين شريعتمداري، مستشار خامنئي الإعلامي ورئيس تحرير صحيفة «كيهان»، التي يعين رئيس تحريرها المرشد نفسه، قال بعد أن سأله صحافي «نيويورك تايمز» الأمريكية، عن موقفه من أن البحرين ليست إلا جزءا من إيران، وهي الفكرة التي قالها شريعتمداري في افتتاحية سابقة لصحيفة «كيهان» منتصف يوليو الماضي، لما سأله الصحافي عن هذه الفكرة، ضحك وقال مشيرا إلى منطقة الخليج برمتها وليس البحرين فقط :«هذه دول لا يبلغ عمرها حتى 200 سنة. هذه دول صغيرة حيث الشيوخ يعيشون حياة اللهو». وعاد، في سياق الحرب الإعلامية، واتهم معظم الدول الخليجية «بمسايرة الكيان الصهيوني والتعاون معه والصمت إزاء جرائمه». («القبس» الكويتية 18 يوليو 2007).

وحذر نائب رئيس مجلس الشورى (البرلمان) الإيراني محمد رضا باهنر، كما في «السفير» اللبنانية، من أن «أدنى» تهديد لبلاده من شأنه أن يؤدي إلى «إشعال النار في المنطقة».

في حين ذكر الجنرال صفوي، قائد الحرس الثوري السابق، ومستشار المرشد الحالي، بصواريخ ايران ومداها الطويل.

أحمدي نجاد في هذه الأثناء يتجول في العالم، ذهب إلى نيويورك لتجميل وجه النظام الأصولي، وإضفاء لمسة تجميلية، فقد أخبر الناطق الحكومي عن نية نجاد زيارة موقع البرجين المضروبين في نيويورك. ويجب أن لا ننسى أن «الرقيق» احمدي نجاد، كان أشرف على عرض عسكري قبيل سفره، فردت فيه القوات الإيرانية عضلاتها، وكشفت عن صواريخ جديدة لها تصل إلى حوالي الفي كيلومتر، في عرض حاشد حفل بهتافات وصرخات الحرب من الحضور.

ايران، مستفزة، وكل يوم تستمر فيه هذه الأزمة سيزيد توتر حكام طهران، ومرشدها ورفاقه من الملالي المحافظين ورئيس حكومتهم «الصقر» محمود احمدي نجاد.

بيد طهران، بصرف النظر عن الدعاية النفسية و«البروباغندا» الإيرانية، أشياء تقدر على فعلها، فهي صرحت مرارا أنها ستشعل المنطقة، إذا ما حرمت من مشوارها في تملك السلاح النووي ـ طبعا هي تناور إعلاميا بالقول إنه للاستخدام السلمي! ـ وفي لقاء سابق مع الرجل المقرب من خامنئي ومستشاره ورئيس تحريره في «كيهان»، اعني حسين شريعتمداري، أجرته الزميلة منال لطفي في «الشرق الاوسط» في 26 مارس 2007، قال محددا مستقبل الرد الايراني في حال حصول ردع عسكري لها: «نحن جاهزون عسكريا، وعلى أهبة الاستعداد وأعتقد أنه إذا حدث أي شيء، فإن الأمريكيين والإسرائيليين سيندمون. وحزب الله مجرد عينة لما يمكن أن يحدث، يمكن مقارنة ذلك بما نستطيع أن نفعله».

وهذا إقرار صريح باستخدام إيران الأصولية لحزب الله اللبناني في سياستها الدفاعية خارج الحدود، بحكم «التوأمة» الآيديولوجية، والارتباط التسليحي والمالي الوثيق، من خلال حبل سوريا السري طبعا!

وهو أمر، أعني التبعية لنظام ملالي طهران، لا ينفيه قادة حزب الله أنفسهم، ويكفي أن نذكر بمثالين: ففي إحدى المناسبات اللبنانية في شهر مارس من سنة 1997 قال الناطق باسم حزب الله إبراهيم الأمين حينها: «نحن لا نقول إننا جزء من إيران: نحن إيران في لبنان ولبنان في إيران». كما ذكرت ذلك جريدة «النهار» حينها.

وحسن نصر الله، أمين عام الحزب قال في وقت سابق، في مجلة المقاومة لسان حال الذراع العسكرية للحزب: «إن المرجعية الدينية هناك (إيران) تشكل الغطاء الديني والشرعي لكفاحنا ونضالنا» (مجلة المقاومة، العدد 27، ص 15 و16).

إذا كان حزب الله اللبناني، بكل جنوده وأسلحته، وإخلاصه العقائدي «النهائي» للمرشد، ليس إلا «نموذجا» لما يمكن أن تفعله إيران، بحسب شريعتمداري، فماذا عن النماذج الأخرى؟!

يجب، إذن، أن لا نستهين بخطورة الأمر.

قد يقول قائل، ولماذا الحرب أصلا؟! أليست أمريكا معتدية، وكذلك بريطانيا وفرنسا، التي قال وزير خارجيتها كوشنير، في 19 سبتمبر الحالي: «على العالم أن يستعد لخوض حرب مع إيران».

والحق أن نظام إيران هو نظام «ورطة» فهو، مهما سمعنا من الكلام المعسول من لاريجاني او متكي، نظام توسعي ثوري أصولي، على علة «امبراطورية» قديمة، ويكفي فقط، للتعرف على ضرر هذا النظام، أن نتذكر كيف تسببت إيران خامنئي بتخريب لبنان والعراق، وبالنسبة للعراق فقد فرح نظام «الولي الفقيه» بسقوط صدام على يد «الأحمق» بوش، كما وصفه حسين شريعتمداري، لأن ذلك أتاح المجال لانطلاق: «القدرات غير العادية»، والتعبير لشريعتمداري، للمعارضة «الأصولية» الشيعية العراقية، يقول مستشار خامنئي: «الآن هؤلاء الذين كانوا منفيين لعقود في إيران، هؤلاء الناس الآن هم في السلطة في العراق. وهذه ميزة هامة وهي النقطة الثالثة في صالحنا». كما في المقابلة التي أجريت معه في مارس الماضي واشرنا إليها آنفا.

إيران، خطرة، وخطرة جدا بلا نووي، فكيف مع النووي؟! ولاريب، بعيدا عن الكلام الملون والمجاملات، أنه من مصلحة دول الخليج، بل حتى مصر والأردن، أن لا تقوى إيران الثورية، إلى هذه الدرجة، خصوصا والمنطقة تشهد حالة من الفوضى وهيجان القوى الأصولية، والتي تهدد «كل» الدول العربية دون استثناء، حتى تلك الدول التي تغازلهم وتمنحهم محطتها الفضائية! وهي تعرف أنه إذا ما قررت إيران «إشعال النار» في الخليج، فستكون هي أول من يطاله اللهب المقبل من الشرق.

لو كانت الأمور بالأماني، لتمنينا أن لا تحدث الحرب، فـ«كفاية مشاكل في المنطقة» كما قال الرئيس المصري حسني مبارك، وأن تعتدل إيران وتترك سياسة التخريب وتهييج قوى التطرف، ولكن الأماني شيء والواقع شيء آخر تماما.

إذا ما صحت التكهنات وتوقعات بعض العارفين، فإن رياح الحرب، الآن، قد حملت سحائب النار، وربما تهطل حمما في حدود سنة منذ هذه اللحظة، وأقصى مهلة لها الصيف المقبل، وهي حرب لو حدثت، مع قبح الحرب طبعا، فإن القبضة التي تشل الجسد العراقي واللبناني، سترتخي حتما، ويتحرر الجسد منها، برجاء أن يتحرر الجسدان، اللبناني والعراقي، من كل قبضات التخلف، شيعية كانت أو سنية.

لا أحد يتمنى الحرب، فهي ذميمة، وعجوز شوهاء تسعى بزينتها لكل جهول، كما قال الأوائل، ولكن التاريخ مليء بالحروب، رغم المآسي التي أحدثتها هذه الحروب، ولكنها كانت هي التدخلات الكبرى التي صرفت مياه التاريخ وعدلت مجراه، أحببنا ذلك أم كرهناه، فنحن لا ندري كيف كان سيكون شكل العالم لو لم تحدث الحرب العالمية الثانية التي أسقطت النازية، أو الحرب التي طردت قوات صدام من الكويت، أو الحرب التي شنها نابليون على مماليك مصر، ومفاعيل وآثار هذا التدخل العسكري الفرنسي على مصر محمد علي باشا في كل مجال، وكذلك حرب الثلاثين عاما بين الكاثوليك والبروتستانت في ألمانيا التي أنتجت آثارا كبرى أهمها معاهدة ويستفاليا سنة 1648، والتي كانت قاعدة القواعد للفكر السياسي الحديث حول مفهوم الدولة المعاصرة.

الحرب تكون أحيانا مدمية، ولكنها تخرج ـ مع الدم ـ صديدا لو ظل، فسيقتل ولكن بالتقسيط.

=