سياستنا الخارجية.. وعلة قصر النظر

TT

السياسة الخارجية الأميركية تشبه الغلاف الكاريكاتوري الشهير لمجلة «النيو يوركر» الذي رسمه سول شتاينبيرغ حيث العالم يبدأ وينتهي تقريبا عند ناينث افنيو، ونيوجيرسي تبدو في الخلفية القريبة، وتحوم آسيا كنقطة مكروسكوبية في أفق بعيد.

والعراق هو ناينث أفنيو بالنسبة لإدارة بوش، مستنزفا الطاقة والتركيز بعيدا عن أي جزء آخر في العالم. ويمكنكم ان تفهموا السبب. فقد راهن جورج دبليو بوش برئاسته على الحرب هناك. ولكن معظم الجمهوريين والديمقراطيين يكررون الأفكار نفسها بدون أن يقدموا للجمهور فهما لما يعتزمون عمله بشأن العراق إذا ما فازوا في الانتخابات.

وتعكس الخطابات والنقاشات وكذلك أسئلة الصحافيين الذين يلاحقون المرشحين للرئاسة وهم يقومون بحملاتهم الانتخابية، وجهة النظر التي تركز على العراق، مع ذكر هنا أو هناك لإيران وكوريا الشمالية ودارفور.

والحق ان الديمقراطيين يثنون على افغانستان باعتبارها حربا عادلة نقيضة للعراق. ولكن ليس هناك الكثير من النقاشات التفصيلية حول تحويل الصراع من اجل كابل الى استراتيجية شاملة. كما أن هناك ذكرا لتغير المناخ، ولكنه يتركز عادة على التحديات البيئية وتحديات الطاقة التي يطرحها التسخين الحراري.

إن طريقة المعالجة الأحادية البعد للعالم تطرح خطرين أمام المرشحين، الأول أنهم سيؤخذون على حين غرة عندما يتحول عرض تايوان الحصول على عضوية الأمم المتحدة الى أزمة أميركية ـ صينية، وتؤدي محاولة روسيا منع تحقيق استقلال كوسوفو الى تسميم العلاقات بين القوى العظمى، أو يتفجر الوضع الداخلي في باكستان ارتباطا بالعواقب الكابوسية لتلك الحرب العادلة في أفغانستان.

لا السياسيون ولا وسائل الإعلام يفعلون ما يكفي من أجل إمعان النظر في الأزمات القائمة. فهم يخاطرون باللهث وراء الأحداث.

ومن الممكن أن تكرر الادارة المقبلة واحدا من أول وأسوأ أخطاء رئاسة بوش، وهو التخلص من كل ما عملته الإدارة السابقة في مجال السياسة الخارجية والتظاهر بأن العالم قد ولد حديثا في يوم التنصيب عام 2009.

ويصارع بوش وكوندي رايس في الوقت الحالي من أجل العودة الى ما وصلت اليه ادارة كلينتون في ما يتعلق بمفاوضات السلام الإسرائيلية الفلسطينية وطموحات كوريا الشمالية النووية. وعادت أوروبا القديمة وأوروبا الجديدة الى مجرد أوروبا العادية. وسياسة المجابهة التي يتبعها البيت الأبيض تجاه إيران تستند الآن الى أمل إبعاد المتطرفين الذين ساعدت السياسة على المجيء بهم الى السلطة، وهكذا.

وفي مرحلتها الأخيرة قامت ادارة بوش ببعض التعديلات التي ينبغي ان لا يجري التخلي عنها لمجرد البدء بها ثانية، وهي تعديلات متعلقة بتعاون أكبر مع الدول الأخرى. وتعتبر مفاوضات الأطراف الستة بخصوص كوريا الشمالية، التي برع في ادارتها كريستوفر هيل من وزارة الخارجية، نموذجا على التعددية التي راحت تتبعها ادارة بوش أخيرا.

وبدفع من الصين يبدو أن كوريا الشمالية قررت أن الوقت الحالي هو الأنسب للتوصل الى صفقة مع الرئيس الجمهوري المحافظ الذي تعتقد بيونغيانغ انه قادر على الدفاع عن تلك الاتفاقية مقابل هجمات الجناح اليميني من الحزب الجمهوري. وكانت مثل هذه الهجمات قد جعلت من الصعب تنفيذ المسار في اطار اتفاقية عام 1994 مع بيل كلينتون.

كما أن البيت البيض انتقل باتجاه دعم أكبر لعمليات قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة، خصوصا تلك المرتبطة بدارفور. وقد صاغت النتائج المحدودة، ولكن الايجابية للقوات المتعددة الجنسيات التي ارسلت الى لبنان عام 2006، هذا الموقف الجديد، كما فعل مجيء بان كي مون الكوري الجنوبي أمينا عاما للأمم المتحدة بدلا من كوفي أنان.

وفي آسيا ينبغي ألا يجري إضعاف العلاقة الاستراتيجية الجديدة مع الهند التي اشتملت على التعاون في مجال الطاقة النووية من جانب من يخلف بوش. كما أن تعامل بوش الدقيق مع بكين يبدو مسؤولا بالمقارنة مع الديماغوجيا حول عيوب التجارة التي تخللت مسار الحملة.

ويحاول بوش احباط جهود الرئيس التايواني تشين تشيو بيان لتنظيم استفتاء في الربيع المقبل حول السعي الى عضوية تايوان في الأمم المتحدة، فيما يشتد الصراع على الانتخابات التمهيدية في الولايات المتحدة. وفي بكين، وليس منذ زمن بعيد، أشار مسؤولون صينيون الى أنهم سيقيّمون رد فعلهم الذي يحتمل ان يكون عدائيا، ليس فقط على ما يقوله بوش، وإنما أيضا على المواقف التي يتخذها المرشحون للرئاسة الأميركية.

وتعتبر تايوان والدعم الأميركي للديمقراطية في الجزيرة اثنين من المواضيع التي أود أن أسمع عنها المزيد من أولئك الذين يمكن أن يمارسوا السلطة الأميركية قبل أن يصلوا اليها.

* خدمة كتاب «واشنطن بوست» ـ خاص بـ «الشرق الأوسط»