أشهر الضباب

TT

يبدو ان الضبابية المتعمدة هي التي تصبغ مسرح الأحداث في منطقة الشرق الأوسط خلال الفترة المتبقية من العام الحالي لترتفع وتنخفض يوميا توقعات الحرب والسلام حسب تصريح هنا أو هناك ويمكن أن يتسبب مصدر مجهول الهوية في رفع درجة التوتر إلى حد الانزلاق إلى حافة عمل أو مواجهة عسكرية كل الحسابات أو الاحتمالات مفتوحة فيها.

وفي حالات الضباب يكثر دور التسريبات التي يقوم بها لاعبون مختفون من وراء الستار لا يعرفهم سوى صاحب العلاقة المباشرة وهم يصنعون الاخبار والعناوين كما نرى في حكاية الغارة الاسرائيلية على سورية سواء كانت برية او جوية او الاثنتين معا، والتي لا يعرف أحد حقيقتها المؤكدة باستثناء ما يتسرب عن هذه المصادر كل يومين او ثلاثة، ومع كل تسريبة ترتفع درجة حرارة ترمومتر التوتر في المنطقة ليصدر بعدها تصريح علني بانه لا توجد نيات حرب أو مواجهة عسكرية.

ونفس الوضع ينطبق على الساحة الإيرانية التي تصدر كل يوم فيها تصريحات من الشمال إلى اليمين لتثير حالة ضبابية توحي بان هناك صراعا على الاتجاه حربا أو سلما، أو ان المقصود هو خلق حالة الضباب هذه لاخفاء شيء ما أو لإحداث المزيد من الضغط العصبي في المفاوضات. ويوميا هناك العديد من التصريحات المتناقضة التي تصدر عن مسؤولين أميركيين أو غربيين تنقسم بين الذين يتحدثون عن ضرورة بذل الجهد في الدبلوماسية والحوار مثل قائد القيادة الوسطى الأميركية وبين آخرين يتحدثون عن تفكير نائب الرئيس الأميركي في دفع إسرائيل إلى قصف مواقع إيرانية حتى ترد طهران فتتمكن واشنطن من الرد عليها.

وينطبق هذا أيضا على التصريحات الإيرانية التي تتباين لهجتها وشدتها يوميا بين التهديد بالصواريخ والاسلحة الجديدة التي تظهر في الاستعراضات، والحديث عن نظريات ملء الفراغ، ثم استبعاد أي حرب كما صرح الرئيس الإيراني قبل سفره إلى نيويورك، أو الإشارات التي لها معانيها الدبلوماسية بان الخطوط ليست مقطوعة مثل التفاوض مع واشنطن على مستوى السفراء حول العراق.

وسط هذه الحالة فان الظاهر من خلال الضباب أن عنوان المواجهة الحالية أيا كان المسار الذي ستأخذه هو إيران وبرنامجها النووي الذي تسعى من خلاله إلى منحها وضعية إقليمية معينة والبقية مجرد تفاصيل أو عوامل مساعدة في لعبة الشطرنج الدائرة تنتظر ان يقوم اللاعبان الرئيسيان بنقلتيهما.

ينطبق هذا على الأزمة الناشبة حاليا بشأن سورية والتي تتداخل مع الوضع في لبنان الذي يواجه بدوره استحقاقا رئاسيا صعبا يجري على وقع الاغتيالات ولم تتضح بعد معالم نهاية الطريق فيه، أو حتى الوضع في العراق الذي أصبحت أوراقه تتداخل مع الملف الإيراني إلى حد ليس صغيرا.

ميزة الضباب بالنسبة إلى اللاعبين انه يخفي النوايا الحقيقية ويوسع هامش مناورة كل طرف لأن الآخر لا يستطيع رؤيته بشكل واضح، لكن مخاطره ان انعدام الرؤية هذا يمكن أن يؤدي بأحد إلى الضغط على الزناد خطأ ليفجر برميل البارود خطأ وتدفع المنطقة ثمن ذلك.