عزل المفتي ولم تعزل الفتوى

TT

سيدة جزائرية شكت زوجها أخيرا لأنه طلب منها إرضاع صديقه، حتى يتمكن الأخير من قضاء شهر رمضان في بيتهما والإفطار معهما.. فذلك الزوج الجزائري التقط فتوى الدكتور عزت عطية، الذي افتى بإرضاع الكبير، ومضى ليعمل بها، ولعله لم يسمع بعد ذلك بتداعيات ما حدث لذلك المفتي كعزله وظيفيا من عمله في جامعة الأزهر، وإحالته إلى التقاعد، واعتبار فتواه إهانة للإسلام، لكن كل تلك الإجراءات لم تعزل الفتوى فوجدت من يلتقطها.. هكذا هي الفتوى إنْ تجاوزت شفتي مفتيها لا يمكن إلغاء أثرها، أو تقليل خطرها، ومشكلتنا في العالم الإسلامي أن «عزت عطية» ليس وحده الذي ولج ساحات الإفتاء بغرائبياته، فـ«بازار» الفتاوى مفتوح على مصراعيه منذ سنوات، حتى أن أحدهم ـ في ماليزيا ـ أفتى بأن ترتدي المرأة المسلمة حزام العفة!!

ويمكن أن نلاحظ أن جل الفتاوى الحديثة تستهدف المرأة أكثر من أي قضية أخرى من قضايا الأمة الإسلامية، ولست أدري لماذا كل هذا التوتر المتصل بالمرأة، حتى غدت شغلنا الشاغل، وكأننا نكتشف هذا الكائن الإنساني الذي اندلق علينا من المجهول لتونا، فالغالبية اليوم تريد أن تنظر على حساب المرأة، وتتعالم بادعاء فهم طبيعتها وسيكولوجيتها وكنهها، ويتملكني افتراض بأن النساء المسلمات يعشن حالة حيرة أمام كثرة الآراء والفتاوى المتباينة التي تتصل بكل شؤونهن، صغيرة كانت أم كبيرة، في ظل غياب الاتفاق على مواصفات المؤهل للفتوى.

هذه الفتاوى المتناثرة هنا وهناك، والتي لا ينسجم بعضها مع رأي الجمهور، ولا يتوافق مع الفطرة، تشكل اليوم أداة في يد خصوم الإسلام، يستغلونها للإساءة إليه وإلى المجتمع المسلم، وأخال وقف هذا السيل المتدفق من الفتاوى مسؤولية الدول الإسلامية مجتمعة، خاصة بعد أن غدا لكل جماعة ـ بما فيها جماعات العنف ـ من يفصل لها فتاوى جاهزة وعلى المقاس، وضاعت كل النداءات التي أطلقت بضرورة إصلاح مجمع الفقه الإسلامي لتكون للأمة الإسلامية مرجعية فقهية تسهم في توحيد مصادر الفتوى، وفق ما ورد في توصيات قمة مكة الشهيرة.

والخلاصة: الناس تحتاج لأن ترسو على برٍّ آمن، ولكنها تفتقر ـ أحيانا ـ إلى الفنار الذي تطمئن إلى ضيائه فتتبعه.

[email protected]