والليبرالية لم تظلم طاش.. ولكن

TT

دافع القدير عبد الرحمن الراشد، عن حلقة «طاش ما طاش»، «ليبراليون ولكن»، واعتبر انها انتقدت الليبرالية من باب أن «الظلم في السوية عدل في الرعية»، وأجاد خصوصا عندما قال إن الليبرالية تنظير، والتنظير مطلوب، وإن الليبرالية في كل العالم تحارب بالحناجر لا بالخناجر، وتقوم على الإقناع لا القمع.

والحق ان حلقات «طاش ما طاش» كثيرا ما تحدث حراكا مطلوبا في المجتمع السعودي، ولها فسحة عالية من الحرية.

وبالطبع ان نقد الليبرالية أمر مقبول، بل ومطلوب، مثل نقد كثير من الأشياء في السعودية، وهذا أمر يجير للمبدعين ناصر القصبي، وعبد الله السدحان. إلا أن مشكلة حلقة «ليبراليون ولكن»، أنها لم تنتقد الليبرالية، أو الليبراليين، بل ركزت فقط على سلوك معين، وهنا مربط الفرس.

تبنت الحلقة خطابا مكرورا يحاول إلصاق بعض أنماط السلوك بكل من أراد العقلانية، حتى لو لم يكن ليبراليا. فقدمت الليبرالية على أنها سلوك لا فكر. وكثير ما ناقشت مع أصدقاء في السعودية أن هناك خلطا بين السلوك والفكر عند الحديث عن الليبرالية.

فالليبرالية، في السعودية، عند البعض، تم اختزالها في السلوك، والمظهر، لا الفكر، والفرق كبير. حلق الشارب، وإطلاق آراء حادة يجعل المرء ليبراليا! هكذا بكل بساطة! ومشكلة الحلقة انها، مارست ذلك التبسيط، علاوة على خلطها بين الليبرالية، والماركسية، والبعثية، وهذا خلل لا يستقيم، حتى في الفكاهة.

كنا نتلهف لمشاهدة حلقة تسلط الضوء على من يدعون الليبرالية، إلا أنهم يناقضون أبسط مبادئها، وهي الحرية. لو أن الحلقة تحدثت عمن يطالبون بحقوق المرأة في الوقت الذي يمنعون فيه نساءهم وبناتهم، عن العمل، وإن سمحوا لهن بالعمل صادروا أموالهن، وأكثر من ذلك، لكانت الحلقة أميز.

ولو سلطت الحلقة الضوء على من يطالب بحرية الصحافة، في الوقت الذي يتملق فيه للمسؤول، أو على من يهاجمون الصحافة «المتخلفة» أو «الليبرالية» فقط لأنها لا تنشر مقالات لهم، أو لأنها لم تجر معهم حوارات، لكانت كشفت عن ضيق أفق من يصفون أنفسهم بالليبراليين، ولا يحترمون حق الاختلاف.

ولو أنها فضحت من يلعبون على عاطفة الشارع، على نقيض ما يفعلونه في حياتهم الخاصة وما يكتبون، ويقولون في وسائل الإعلام، لكان ذلك أكثر جدوى ونفعا. ولو أن نقد الليبرالية عرج على من يقول إنه ليبرالي وفق الكتاب والسنة، أو من يقول إنه ليبرالي وتعاطف مع صدام حسين، أو برر لأسامة بن لادن، لكان ذلك أفيد، وبقالب كوميدي بالطبع.

ولو أنها عرت من تحركه نعرات مناطقية، وهو يشغلنا بموضوع المواطنة، بينما يقسم الناس وفقا لتصنيفات ضيقة، لا تتجاوز مفهوم القبلية، لكانت الحلقة ساعدت كثيرا في تعرية من يدعون أنهم ليبراليون، ويناقضون أبسط أفكار الليبرالية، وهي احترام الحريات، وفق مفهوم إن الناس أحرار ما لم يتعدوا على حرية الآخرين، وليس تعطيل شرائع الله، كما يصورها البعض، فالحديث هنا بالطبع ليس عن اللا دينية.

لو كانت الحلقة كما أسلفت، لكانت أكثر تشويقا، ومنفعة، أي «حج وبيع سبح» كما يقول المثل الشعبي، بدلا من أن تختزل الليبرالية في شخوص متقاعدي الماركسيين والبعثيين.. وزجاجات الخمر! عندها يكون الضحك مع حلقة «طاش ما طاش» ممتعا، ومشوقا، وقد يساعدنا على هضم «الكبسة».

[email protected]