من شيراك الحريري إلى ساركوزي بوش

TT

«عاد نيغول ساركوزي الى أصله اليهودي»، «ساركوزي دمية بوش الجديدة»، «ساركوزي لا يعتمد عليه لأنه مخمور حتى في القمم العالمية». هذه تعابير عربية متذمرة تشتكي بطريقتها من الرئيس الفرنسي الذي يبات في قصر الإليزيه منذ أربعة أشهر، وسيعيش فيه إلى أن يكمل خمس سنوات رئاسية. في السابق كان الرئيس يحق له سبع سنوات إلا أنها قصرت إلى خمس في عام 2000.

قبله انتقد بعض العرب الرئيس السابق، جاك شيراك. اتهموه بأنه موظف في بيت آل الحريري، وفرحوا باستقالته مبشرين بأن مواقف فرنسا ستتغير بخروجه. ذلك التفكير البسيط، الذي حاول الدفاع عن الاخطاء، وأحيانا، الجرائم التي ارتكبت في منطقتنا، يقوم على التمنيات. والسؤال عن موقف الرئيس الفرنسي الشخصي في حد ذاته ينم عن جهل لأنه لا توجد عداوة او صداقة في العلاقات، بل مصالح، ومصالح فقط. ولساركوزي عبارة يكررها دائما، «المصلحة الفرنسية». وعلينا ان نتذكر من أين أتى الى الاليزيه. جاء ومعه كنز مهم من التجارب الادارية والسياسية، صار عمدة لإحدى ضواحي باريس وعمره 28 عاما فقط، وعين وزيرا للمالية وعمره 38 عاما، ثم وزيرا للداخلية. ولعب دورا فاعلا في داخل الحزب، وكسب المعركة الانتخابية رغم ان الشعور الشائع بان الفرنسيين ملوا من رجال اليمين الوسط في الحكم ويريدون امرأة يسارية.

إن رجلا بهذه التجربة يعرف جيدا أن مصالح فرنسا كبيرة مع العالم العربي، ويعرف أيضا ان مصلحة الفرنسيين تكمن في علاقات دولية متوازنة. يقول علانية انه يريد ان يمنح بلاده مكانة أكبر، وهذا يفسر مواقفه السياسية المتقدمة في القضايا الكبيرة، كما نرى في مواجهته للنظام الايراني. ليست هذه مواقف رجل تابع، بل محسوبة ضمن السياسة الدولية، المواجهة العسكرية مع ايران غير مرغوبة اوروبيا، لكن الصواريخ الايرانية صارت اقرب في مداها ليس للخليج العربي او لإسرائيل، بل حتى اوروبا نفسها. القضية لا تحتمل بالنسبة لكل الأوروبيين الغربيين الذين اتفقوا، لأول مرة، منذ سقوط الاتحاد السوفييتي، على قضية هي ايران. الرئيس الفرنسي يضغط بعنف على الايرانيين سرا وعلنا، علهم يسمعون منه قبل أن تقع الحرب التي لا فكاك منها إن استمروا في بناء مشروعهم النووي.

هجوم ساركوزي على الايرانيين عن حكمة، لأنه يريد منع الحرب عليهم، لا توسيع دائرة الخلاف معهم. وأمامهم خياران إما الاستماع للرئيس الفرنسي او مواجهة الرئيس الاميركي. بالفعل ساركوزي نقل فرنسا دبلوماسيا من لعب دور الوسط المهادن، الى الوسط المهاجم. وإذا كانت هناك قوى ستتعب الرئيس القوي الشخصية فلن تكون من دمشق او طهران او بن لادن، بل من اليسار الفرنسي الذي يهدد بمواجهة مشروعه للاصلاح الداخلي الذي فشل في تحقيقه من سبقه من الرؤساء الفرنسيين.

[email protected]