فلا دائم إلا وجه الله..

TT

رأيت ثلاثة من الملوك وقد جار عليهم الزمان: لا عرش ولا جاه ولا هيبة!

الأول: أسد في سيرك.. رأيته من بعيد.. لا فرق بينه وبين الكلب، حتى شعر رأسه ليس قائماً على حيلة.. ولاحظت أن الأسد يتمسح في الجدران.. وأنه يشمشم في الأرض.. وتأكدت أنه فعلا أسد، وليس خروفاً!

وفوجئت بأن أحد مروضيه قد أخرج من جيب الجاكت كيساً من الورق به سندوتش فول! وقدم للأسد نصفاً وبدأ هو يلتهم النصف الآخر.. وبسرعة التهم الأسد السندوتش ـ أول مرة أرى فيها أسداً يأكل الفول!

وقبل أن أتعجب لما أصاب جلالته قال المروض: ومن أين نأتي له باللحوم إذا كانت تذكرة الفرجة على جلالته بقروش.. بل مصيبة كبرى لو طلب الأسد أن يأكل البرسيم.. حتى البرسيم لا نستطيع أن نشتريه!

وفي حديقة حيوانات الخرطوم رأيت قفصا كبيرا للدجاج. وفي داخل القفص ديك رومي.. بل ليس ديكاً رومياً، وإنما قيل لي إنه نسر.. أو كان يوماً ما نسراً.. ولكن الزمان أخنى عليه.. وإذا هو في ركن من الأركان لا قدرة له على احتمال الحرارة والعطش ولا أن يأكل الذرة!

وتحدثنا «ألف ليلة» أن النسر ملك الطيور كان يحمل الرجل ويطير به إلى قمم الجبال.. فهو يعيش مئات السنين ولا يموت إلا عند القمم!

قلت لحارس حديقة الحيوان: ماذا أصاب جلالة النسر؟

أجاب الرجل وكأنه يحاول أن يتفلسف: إنه ملك بلا رعية.. على أرض بلا قمم في جو ليس به جليد.. كيف يكون نسراً وهو يأكل طعام الدواجن.. إنه مواطن عادي في جمهورية شعبية!

وفي معهد الرازي بالقرب من طهران رأيت أفعى ضخمة ـ ملك الزواحف ـ تصيب ضحاياها بسم تطلقه قذيفة على عيونهم.. لا يخطئ أبداً، فإذا الضحية أعمى لا يرى فتلتف حوله فتسحقه تماماً.. ووجدت فأراً صغيراً واقفاً فوق دماغها. لم أفهم. فقيل لي أن الأفعى تفضل الموت على أن تأكل هذه الفئران التي تطلق روائح كريهة!!

ولذلك تأكل هذا الفأر يأساً من الحصول على الفئران الأخرى التي يستوردونها من روسيا، ولذلك فهي جائعة تتلوى كأنها دودة قز!

فلا دائم إلا وجه الله!