«القابلية للانقسام»

TT

مع كثرة الحـديث هـذه الأيام عن المشروع المعد في دوائر الكونغرس الأمريكي عن تقسيم العراق الى ثلاث مناطق، واحدة للأكراد وأخرى للسنة وثالثة للشيعة، يبدو أن الإدارة الأمريكية قد أسقط في يدها «ظاهريا» وقد تؤيد مشروع التقسيم «كحل» بعد الأداء المذل لسياستها في العراق نتاج الاحتلال الذي ورطتها فيه جماعة المحافظين الجدد، بالرغم من أن هذا المشروع من فكرة وتبني السيناتور الديموقراطي جوزيف بايدن.

ولكن واقع الأمر أن التقسيم في العراق ليس الحالة الوحيدة التي ستفرض على الدول العربية، فلقد قبلوا «الأمر الواقع» في الصومال والذي شهد «استقلال» وانفصال الجزء الشمالي منه منذ أكثر من عقد من الزمان، وإقامة جمهورية «صومالي لاند» وهي أرض لها رئيس ومطار وحدود وعلم، وبعد ما شاهدوا الجنوب السوداني يعاني «أعراض» الانفصال وهو الذي سيصبح مؤكدا بعد سنتين بعد الآن من دون حراك جدي, وقد تلحق منطقة دارفور هي الأخرى وينالها نفس النصيب الذي أصاب الجنوب، وذلك وسط أصوات تنادي وتطالب بالانفصال عن السودان.

وطبعا قبل ذلك كان «الانفصال» الغريب والذي لا يزال قائما لمنطقة الصحراء الغربية عن المغرب، وهي المنطقة التي تملك كل الإمكانيات لتكون جزء متكاملا مع الوطن الأم الأساسي مع الدلائل الواضحة والصريحة عن التكامل الديموغرافي بين المغرب وبينها. والآن بالطبع لا يمكن إغفال أو نسيان منطقة غزة، والتي باتت عمليا منفــصلة عـن المشروع الوطني للدولة الواحدة بفلسطين نتاج حماقات وتصرفات طائشة وسط راغبي الأمجاد الشــخصــية وكراسي السلطة.

والجنوب اللبناني يكرس عزله بشتى الصور عن الوطن الأم بحيث بات منطقة ذات سيادة خاصة تتبع أوامر من جهات خاصة في جو أشبه بأجواء القوات والأوامر الخاصة في عالم عصابات المافيا، وليس عالم الدولة المدنية وحماية العدل والقانون والنظام.

وما حدث ولا يزال مرشحا للحدوث في المناطق المختلفة من العالم العربي يعود بشكل رئيسي الى تغليب شعارات الانتماء الديني والقومي على حقوق المواطنة والمساواة، مما ولد (كأمر طبيعي) إحساسا متواصلا بالظلم والتهميش، مؤديا بطبيعة الحال الى المطالبة بكيان منفصل، من الممكن (نظريا) أن تحقق فيه كل هذه المطالب المهمة والعادلة.

الحكومة العراقية وهي الحليف الأول للإدارة الأمريكية في العراق اليوم، احتجت وبشدة على مشروع التقسيم، إلا أن هذا المشروع لقي ترحيبا وتأييدا لدى الأكراد (وهو أمر غريب ولكنه مفهوم) فالكاتب الفذ مالك بني نبي كان تحدث وبشكل رائع عن القابلية للاستعمار، واليوم يبدو أن هناك قابلية للتقسيم لدى الشعوب العربية لن تمنعها إلا إقامة منظومة واضحة وسوية من العدل تسري على الجميع.

[email protected]