وداعا للكرة ومرحبا بالمرأة

TT

كانت كرة القدم من احلى الألعاب الرياضية عندي. مارستها في الصبا واستمتعت بمشاهدتها في الكبر وكتبت اشادة بها في العمل. بيد ان توغل رأس المال في ميادينها وسيطرة الرأسماليين عليها قتلها عندي. كنت اتصور ان هذا انطباع شخصي محض، بيد ان كبار المدربين في بريطانيا، وربما في دول اخرى، وعلى رأسهم المدير الكبير فينغر، مدرب فريق ارسنال الشهير، قد ساندوني في انطباعي هذا. لم تعد كرة القدم رياضة وملهاة. وصرح فينغر بأن الفلوس اخذت تتلف الاستمتاع بها.

كان المعتاد في السابق ان ترتبط عواطفنا بفريق معين وبلاعبين معينين يلعبون لهذا الفريق أو ذاك ويقضون حياتهم المهنية مرتبطين به. كذا الأمر بالنسبة للمديرين والمدربين. هكذا قضى بوبي شارلتون حياته يلعب لفريق مانشستر يونايتد مع زملائه الآخرين وبتوجيه نفس المدير. ارتبطت عواطفنا بهذه التشكيلة المتواصلة عاما بعد عام فشدتنا الى متابعة مباريات الكرة.

بيد ان الرأسماليين الكبار اكتشفوا مؤخرا ان في كرة القدم من المربحية ما يضاهي ارباح النفط والسلاح ونهب اموال الدولة، فتقدموا لاستثمار رساميلهم فيها في إطار العولمة. جاء رأسماليون روس مثلا، جنوا ملايينهم بأساليب مشتبه بها في روسيا وراحوا يشترون نوادي الكرة في الغرب. وبالخلق الرأسمالي الأصيل راحوا ينتظرون من النادي ان يحقق لهم اعلى الارباح بتحقيق احسن النتائج في المباريات. اذا فشل مدير الفريق بتحقيق ذلك طردوه بعد اسابيع قليلة واشتروا بدلا منه مديرا آخر نصبوه رئيسا على الفريق. وبالطبع ادرك المدير الجديد الخطر المحيط به ايضا فسارع الى طرد أي لاعب يقصر في تسجيل الأهداف وشراء لاعب آخر اكثر مهارة منه في التهديف.

لم تمض غير بضعة اشهر حتى اختلط الحابل بالنابل. تتفرج على فريق بريطاني فتكتشف ان مديره ومعظم اللاعبين فيه غير بريطانيين مطلقا، برتغاليون أو برازيليون او المان، وهلمجرا. اصبحت الفرق وابطال الكرة كالرقيق في اسواق النخاسة، معروضين للبيع والشراء بدون ان يتركوا للمشاهدين أية فرصة لتجاوب عاطفي وإعجابي معهم. معظم الفرق البريطانية الآن ليست بريطانية قط.

بيد ان تطورا آخر، حميدا في رأيي، دخل الميدان مؤخرا بالمباريات العالمية النسوية. وبالطبع لم يفت ذلك علي. فتابعتها بحرص ودوام. اذا لم استطع ان اجد فيها ضربات او نطحات او حركات مثيرة فيكفيني من الأمر هذه الأجسام الفاتنة من السمراوات الكوبيات والشقراوات الاوربيات. جلست اعاين المباراة الأخيرة على كأس العالم بين فريق البرازيليات وفريق الألمانيات ولسان حالي يردد قول الشاعر العراقي:

كرة الملعب لا تلعب بها

هاك قلبي كرة في قدميك!

لا ادري الى كم ستستمر هذه المتعة الرياضية الجمالية قبل ان ينتبه اليها اصحاب المال ويبدأون بشراء وبيع السمراوات والبيضاوات. هذا ما فعلوه بالمرأة دائما.