هل يستطيع حزب الله التحول إلى حزب سياسي؟

TT

الأمر شبه المؤكد، واستناداً الى تاريخ نشأة حزب الله، والى سياق تعامله مع الساحة اللبنانية خلال العقدين الماضيين، هو أن حزب الله حزب إيراني أولاً، وشيعي ثانياً. أما أن يكون لبنانياً ثالثاً، فالادعاء في هذا المجال قد يكون صعباً وخارجاً عن الواقع، في ظل ارتباطاته الخارجية، وكونه يمثل امتداداً طبيعياً للعالم الفارسي. وادعاء لبنانية حزب الله يندرج تحت عنوان المناورة والتمويه المتعمد للحقائق والوقائع، رغم القاعدة الشعبية الواسعة التي يتمتع بها حزب الله على الصعيد الشعبي اللبناني.

وبما أنه صار معلوماً أن نشأة حزب الله كانت عن طريق مرسوم خاص أصدره علي أكبر محتشمي، عام 1980، وكان وزيراً للداخلية في الجمهورية الاسلامية، كما صار معلوماً أيضاً أنه تم التخلص من الصدريين في العراق ولبنان، وتم حل حزب الدعوة في لبنان بأمر من آية الله الخميني، لم يعد هناك من أدنى شك حول هوية وهوى حزب الله، وحول انتمائه الفعلي. فالجهة التي أنشأته واستولدته ما زالت تدعمه بالعدة والعتاد والمال والسلاح، حتى غدا على ما هو عليه الآن من قوة.

لذا قد لا يكون من المستغرب طغيان الطابع السياسي الايراني على هوية حزب الله، أكثر من الطابع الشيعي. بمعنى آخر ان أبعاد حزب الله هي سياسية ايرانية، أكثر منها اسلامية شيعية لبنانية عاملة لمصلحة الطائفة الشيعية أو القومية اللبنانية. من هذا المنطلق لا بد من أسئلة توجه إلى محازبي حزب الله من الطائفة الشيعية:

ـ هل التزام حزب الله بالسياسة والتوجيهات الايرانية، يلزمه أيضاً بتأييد امتلاك إيران للسلاح النووي؟ وفي هذه الحال هل يشكل امتلاك السلاح النووي أولوية في العقيدة الشيعية، وكيف تخدم حيازة إيران للقوة النووية، المصلحة الشيعية أولاً واللبنانية ثانياً؟

ـ أما السؤال الثاني، فهو إلى متى يستمر نظام ولاية الفقيه يغطي مقاطعة المجتمع الدولي له، تحت تسميات من نوع «الشيطان الأكبر» و«الشيطان الأصغر»، وهل لبنان ُمجبر على معاداة المجتمع الدولي والتمثل بالنموذج الايراني؟

قد ينبري البعض للقول بأن حزب الله هو حزب لبناني كأي حزب لبناني آخر، كون قاعدته لبنانية صرفة. إن كلاما من هذا النوع نسمعه كل يوم من المنتمين إلى حزب الله أو من المتحالفين معهم، لا يتعدى كونه ترديدا لما يسمعونه صباحاً ومساءً عبر وسائل إعلام حزب الله، وإعلام المتحالفين معه. وحزب الله يظل غريباً ما دامت عقيدته مستوردة من الخارج. فكما الحزب القومي الذي تدعو فلسفته إلى ذوبان الكيان اللبناني بكيان آخر، لا يمكن وصفه بالحزب اللبناني، كذلك حزب الله ذو العقيدة والسياسة المستوردتين من بلاد فارس. إن الشعارات المعتمدة اعلامياً من أجل تمويه الحقائق هي شيء، والواقع هو أمر آخر. إلا أن القادة والساسة لا يهمهم كثيراً رأي الانتلجنسيا التي لا يتجاوز عددها عادة في العالم الثالث العشرة بالمئة من الشعب، فهم يوجهون خطابهم الديماغوجي للبقية الباقية أي إلى كتلة التسعين بالمئة.

والقول بأن حزب الله هو امتداد لنظام الملالي وللثورة الاسلامية، يشكل بحد ذاته كلاماً كبيراً وخطيراً بالنسبة لحزب الله. فهو يشكل تهديداً مباشراً لبقاء الحزب ولانتشاره عبر الساحات العربية، ويقوض جذبه للشارع الشعبي مهما بلغ تدني وعي هذا الشارع وثقافته. فالشارع العربي بشكل عام ينفر من الانتماء الفارسي، ولو رفع حزب الله من أجل اجتذاب المسلمين شيعة كانوا أو سنة، شعار مقاومة اسرائيل.

لذا رأيناه وتبعاً لمصالحه التمويهية، وأيضاً الوصولية، يتحالف تارة مع السنة والدروز في ما سمي حينها بالتحالف الرباعي، ومن ثم يقفز إلى التحالف مع خصوم هذا التحالف أي تيار الجنرال عون وحلفائه. يبرر ذلك طبعاً هدف كسب قاعدة شعبية مسيحية هو بحاجة اليها لتغطية هويته الحقيقية. فلا دوام لعدو أو لصديق عند حزب الله خارج التحالف الايراني وخارج مبدأ خدمة مصلحته أولاً. فحزب الله هو امتداد طبيعي لإيران ومقاومته لإسرائيل، هو يعمل من أجل تنفيذ وصايا روح الله آية الله الخميني، ويلتزم بإرادة الرئيس أحمدي نجاد اليوم. وحزب الله هو مقاومة إلى الأبد حتى ازالة اسرائيل من الوجود. وهل تسأل بعد ذلك عن امكان تحول حزب الله إلى حزب سياسي؟ وهل تسأل عن امكان اندماجه بالجيش اللبناني وتسليمه سلاحه وتحوله إلى حزب لبناني؟ إن ذلك لمن سابع المستحيلات ما دامت اسرائيل في الوجود.

* كاتبة لبنانية