كنوز تحت الماء

TT

في الحقيقة لم أكن أبداً من المهتمين بموضوع الآثار الموجودة تحت الماء، والسبب معروف بالطبع، وهو أنني قضيت عقوداً بعد انتهاء الدراسة الجامعية أبحث عن الآثار تحت رمال الصحراء حتى صرت عاشقا لرمال مصر، ونمت بيننا لغة خاصة لا يعرفها إلا أهل الصحراء. ولي مقولة معروفة أعلنها دائماً في كل محاضراتى وهي: «اننا كشفنا حتى الآن عن حوالي 30% من آثارنا، وما زال هناك 70% تحت الرمال لم تبح بعد بأسرارها». كذلك لا أخفي خوفي الشديد من الغطس تحت الماء، على الرغم من أنها لم تكن سوى تجربة واحدة تلك التي مررت بها، وهي عندما ذهبت وصديق يمتلك مركباً للغطس، وبدأ في إعطائى الدرس الأول في الغطس تحت الماء، وما هي إلا دقائق معدودة وخرجت من الماء وأنا أحس بأنني أكاد أختنق، ولم أحاول تكرار التجربة مرة أخرى.

وقد بدأ اهتمامي الفعلي بالآثار الغارقة مع اهتمامي بدراسة الأهرامات ومعرفة قصة غرق تابوت الملك «منكاورع» صاحب الهرم الثالث أصغر أهرامات ملوك الجيزة، الذي غرق أثناء نقله إلى إنجلترا بالقرب من شواطئ إسبانيا. وعندما اخترت لكي أكون واحداً من المكتشفين عن طريق الجمعية الجغرافية، كان معي من المكتشفين بيل بيلارد، وهو مكتشف الباخرة الشهيرة تايتنك في قاع المحيط الأطلنطي، واتفقت معه على أن نشترك معاً في الكشف عن تابوت الملك «منكاورع» في قاع البحر. كذلك نشأ اهتمامي بالآثار الغارقة مع معرفتي بأهمية نهر النيل ومدى ارتباط شريان الحياة هذا بالفراعنة، خاصة بناء الأهرامات ونقل الأحجار والتماثيل عبر النهر إلى مواقع البناء. ولدينا محاجر الجرانيت الشهيرة بأسوان، حيث قام الفراعنة بقطع الأحجار لكي تكسى بها الأهرامات وتصنع منها أيضاً حجرات الدفن، كما هو الحال في الحجرة الثالثة لهرم الملك «خوفو» بالجيزة. وخلال عصر الدولة الحديثة نقل العديد من المسلات من أسوان إلى المعابد المقامة في البر الشرقي من الأقصر، خاصة معابد الكرنك والأقصر. وتوجد أيضاً محاجر للحجر الرملي موجودة بجبل السلسلة وكان ينقل الألباستر من محاجر حتنوب بمصر الوسطى أو بالتحديد إلى الجنوب من مدينة المنيا مباشرة. ولأن بناة الأهرام الذين برعوا في صنع أعظم حضارات العالم القديم كانوا مثل أي بشر يصيب ويخطأ فلنا أن نتوقع تعرض الفنان والنحات المصري القديم، وكذلك عمليات النقل عبر النيل لبعض الحوادث، كسقوط تماثيل ومسلات في قاع النيل أثناء عمليات النقل، ومن هنا يأتي دورنا في البحث عن هذه الكنوز الغارقة. ليس هذا فقط بل إن العديد من الحوادث قد حدثت في عصورنا الحديثة وأدت إلى غرق قطع أثرية مهمة في قاع النيل، منها على سبيل المثال ما نعرفه عن أوجست مارييت أول من أنشأ وتولى رئاسة مصلحة الآثار، حيث حفر في دراع أبو النجا بمدينة الأقصر وعثر على مسلتين صغيرتين، وقام بعد ذلك ماسبيرو بنقلها إلى القاهرة، ولكن المسلتين غرقتا في قاع النيل على بعد حوالي 10 كم إلى الشمال من معبد الكرنك. ولذلك قررت أن أبدأ أول مغامرة في البحث في قاع النيل والعثور على هذه المسلات الغارقة.. وسوف تكون هذه هي المغامرة الأولى في البحث تحت الماء وبعدها ستتوالى بإذن الله أسرار الاكتشافات الأثرية الغارقة. فهل سيكون لها نفس جمال وسحر أسرار الرمال؟..

www.guardians.net/hawass