ردا على الراشد حول إيران: لغة الكلام لم تتعطل بعد

TT

قرأت المقالين اللذين كتبهما مؤخرا عبد الرحمن الراشد حول إيران باهتمام كبير، واطلعت على وجهة نظره حول التداعيات على دول الخليج «عندما تتعطل لغة الكلام» في المحاولة للتوصل لاتفاق بشأن الملف النووي. لكن ما أثار اهتمامي هو الانطباع بأن هذين المقالين وضعا خيارا أمام دول المنطقة: إما المؤازرة أو الحيادية، كما لو أن العمل العسكري أصبح حتميا. بالطبع يعتبر أكثر أهمية بالنسبة لنا جميعا أن تتضافر جهودنا اليوم، وضمان أن يؤدي الحوار إلى نتيجة إيجابية، وأن يتم تسوية هذه القضية بالسبل الدبلوماسية.

أشعر بأن جزءا من المشكلة هو أن الدعاية التي يطلقها النظام الإيراني قد نجحت إلى حد ما بالترويج لفكرة أن هذه القضية تتعلق بالمواجهة بين إيران والولايات المتحدة؛ الرئيس أحمدي نجاد في مواجهة القوة الإمبريالية. بالطبع النظام الإيراني ليس وحده الذي يستخدم هذه المفارقة لتكريس إنجازاته؛ فتنظيم «القاعدة» لم يكن له أن يوجد من الأصل لو أن هذا النموذج المفرط بالتبسيط لقضايا العالم لم يجد بعض القبول لدى العديدين.

لكن التهديد الحقيقي الذي تشكله إيران هو تهديد لاستقرار منطقة الشرق الأوسط ككل. أدرك من خلال مناقشاتي مع الوزراء والمعلقين في المنطقة بأن حيازة إيران لقنبلة نووية تحت النظام الحالي تمثل رؤية تثير الرهبة. فهم يعلمون بأن طهران على استعداد للتدخل في شؤون دول الشرق الأوسط حينما وأينما اعتقدت بأن ذلك سوف يجلب لها المكاسب. إنها تموّل وتسلح الميليشيات التي تدير عمليات القتل في العراق، واحتجزت بغير وجه حق بحارة بريطانيين كانوا يحاولون مكافحة عمليات التهريب في الخليج. وهناك عناصر إيرانية تقوم بتهريب الأسلحة والمتفجرات لجماعة طالبان في أفغانستان. كما أن جهات أخرى باتت تشعر بانزعاج شديد لتداعيات التدخل الإيراني المباشر في شؤونها الداخلية، وخصوصا في لبنان والأراضي الفلسطينية المحتلة.

فبدل أن ينفق النظام الإيراني ثروته النفطية على تحسين حياة المواطنين الإيرانيين ومعالجة المشاكل الاقتصادية المتنامية، فإن هذا النظام يقدم الهبات البالغة ملايين الدولارات في أرجاء المنطقة، يتم إنفاق غالبيتها على الأسلحة وتمويل أي جماعات مسلحة ـ من اليمن وحتى غزة ـ تكون على استعداد لتقويض الحكومات الشرعية.

إن مهد الحضارات والثقافة الفكرية الثرية التي أنجبت عمر الخيام وشمس الدين حافظ والفردوسي وغيرهم يمكن أن تكون قوة هائلة لفعل الخير في المنطقة. لقد شعر الكثيرون في إيران بالسعادة لمشاهدة نهاية صدام وطالبان ـ وسوف يستفيد كل من العراق وأفغانستان من الجهود الصادقة للمساعدة بإعادة إعمار هذين البلدين. وهذا بدوره سوف يضمن أن يكونا حليفين لإيران مستقبلا.

كان العديدون من بيننا يأملون قبيل انتخاب الرئيس أحمدي نجاد، بأننا بدأنا نشهد إيران وهي تبدي اهتماما في الترويج للحوار والتفاهم بين الحضارات والتعاون لأجل تحقيق مستقبل أفضل. لكن يبدو بأن النظام يمضي في الاتجاه المعاكس تماما خلال العامين الماضيين، وقادته يتحدثون لغة عدوانية فيها معاداة للأجانب ولا تبدي أي تسامح.

لقد شهدت القوات البريطانية والعراقية براهين متواترة حول وجود أسلحة مصدرها إيران، تأتي عبر الحدود الممتدة طويلا مع إيران. إلا أنه لم يتحدد بعد أي قسم من النخبة الحاكمة في إيران يقوم بتوفير هذه الأسلحة ومساعدة الميليشيات العراقية على الاستفادة منها، لكن ما هو واضح تماما هو أن هناك عناصر إيرانية تستثمر بشكل كبير في أن يبقى العراق يسوده العنف والتمزق، ربما على أمل أنهم سينجحون في النهاية بالسيطرة على السياسات والثروات بمحافظات العراق الجنوبية التي غالبيتها من الشيعة.

ويبدو بأن احتضان هذا النظام لسورية يهدف إلى كف يد سورية ومنعها من أن تتحول من مؤيد بحت للعاكفين على زعزعة الاستقرار إلى كونها شريك في السلام تقف على استعداد ولديها الرغبة للعمل مع الحكومات العربية الأخرى لأجل صالح المنطقة. هذا الاحتضان الذي يبدو أن سورية في الوقت الراهن على استعداد لأن تقع في شراكه يبدو بأنه من المرجح أن يحصد فقط المزيد من العزلة إلى جانب تعاطف مجموعة من الغوغاء من الحلفاء المريبين الذين يصطدمون مع المجتمع الدولي، من أمثال كوريا الشمالية وبورما.

وبينما بذلت دول أساسية في المنطقة كالمملكة العربية السعودية والأردن ومصر والإمارات العربية المتحدة جهودا كبيرة للتوصل لاتفاق سلام بين الفصائل الفلسطينية المتقاتلة، وحاولت ضبط التوتر في لبنان والعراق وغيرهما، فإن إيران لعبت دورا سلبيا بشكل أساسي، حيث دعمت وموّلت وقامت بتسليح جماعات ملتزمة بتدمير تلك الجهود. ومن الواضح أن هدفها هو ضمان أن تستمر معاناة منطقة الشرق الأوسط من العنف الذي يحتدم بها، مع ضمان هيمنة الثورة الإسلامية الإيرانية في جميع أرجاء المنطقة في ذات الوقت.

كما أوضح وزير الخارجية، تعتقد المملكة المتحدة بأن لدى إيران كل الحق بأن تعتز بنفسها وأن تلقى الاحترام كعضو في المجتمع الدولي. لكن لكي تحظى بذلك يجب عليها كذلك الإقرار بأن أمامها مسؤوليات تجاه المنطقة والمجتمع الدولي على نطاق أوسع. ليس لدى إيران الحق بأن تخرق أحكام معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية، كما أنه ليس لديها الحق بتقويض الاستقرار في المنطقة.

لقد أصدر مجلس الأمن في الأمم المتحدة قرارين بالإجماع يطالبان إيران بالتوقف عن تخصيب اليورانيوم. وبالتالي يتوجب على إيران الانصياع لمتطلبات هيئة المحافظين في الوكالة الدولية للطاقة الذرية وكذلك مجلس الأمن. والمجتمع الدولي بأسره يرغب في التوصل إلى حل سلمي ودبلوماسي لهذه المشكلة. ونحن نعمل بكل جهدنا لضمان نجاح العملية الدبلوماسية. إن في النجاح بتفكيك البنية التحتية النووية العسكرية لدى كوريا الشمالية شهادة على أن باستطاعة الجهود الدولية المتضافرة والمستمرة أن تحقق النجاح، حتى ضد نظام عازم على إنفاق نصيب الأسد من ميزانيته على أسلحة الدمار الشامل بينما يواجه شعبه الجوع.

لقد آن الأوان لأن يعمل الجميع بفعالية لضمان التوصل إلى حل دبلوماسي هو في صالح المنطقة، وإقناع إيران بأن تعمل بشكل إيجابي مع الدول المجاورة لها لحل مشاكل المنطقة قديمة العهد والمستعصية. القضية هي ليست قضية مؤازرة، بل هي قضية قيام جميع الدول بالعمل مع بعضها البعض لحماية اهتماماتها القومية وضمان أمنها ورخائها.

تكنُّ بريطانيا كل الاحترام والتقدير للشعب الإيراني الذي تحمّل تجاوزات قياداته بكل صبر وصمود. ليس لدينا خلاف معهم، وندرك تماما بأن الغالبية العظمى من بينهم يريدون مستقبلا ينعم بالسلام والرخاء، وأن يعيشوا بوئام مع الدول المحيطة بحدودهم. إننا نؤيد أولئك في الشرق الأوسط الذين يرسلون رسالة واضحة ـ علنا وبعيدا عن الأضواء على حد سواء ـ للنظام الإيراني مفادها: إن محاولاتكم في الإخضاع والترهيب لن تنفع؛ وتحديكم للأمم المتحدة وسعيكم لتملك الأسلحة النووية ليس هو السبيل لبناء دور إقليمي بنّاء لإيران في المنطقة. اعملوا مع المنطقة، لا ضدها.

يجب علينا وضع ثقتنا في لغة الحوار والإقناع للترويج للتوصل إلى حلول سلمية ومستدامة للمشاكل التي ما برحت تولد البؤس والظلم والكراهية في هذه المنطقة التي تعاني من الاضطرابات.

* وزير الدولة للشؤون الخارجية البريطانية خاص بـ«الشرق الأوسط»