جراحة في الفكرة المجنونة: تقسيم العراق.. أم تفكيك الشرق الأوسط ؟

TT

يواجه البرلمانيون العراقيون أجندة تشريعية معقدة في الوقت الذي يستعدون فيه للاجتماع، ومع ذلك فأكثر مهامهم عجالة هو القضاء، في المهد، على المؤامرات الهادفة الى تقسيم العراق الى ثلاث دول صغيرة أو أكثر.

وعندما طرحت هذه الفكرة الغريبة للمرة الأولى قبل عامين، اعتبرها العديد أنها ليست أكثر من مجرد محاولة من بعض السياسيين المعادين لبوش للإدلاء بتصريحات في حرب تزداد عدم شعبيتها.

والآن، تلقت الفكرة درجة من الاعتراف الرسمي في مجلس الشيوخ الاميركي شكرا للسناتور جوزيف بايدن، وهو واحد من المرشحين الرئيسيين لاختيار مرشح الحزب الديموقراطي لانتخابات الرئاسة. وقد اقر مجلس الشيوخ محاولة بإيدن ذات الطبيعة الإمبريالية لإعادة رسم خريطة الشرق الأوسط، بأغلبية 75 صوتا إلى 23 صوتا.

ولكن لماذا يرغب بايدن وزملاؤه في الحزب الديموقراطي في تقسيم العراق.

كيف يمكن لأشخاص يدعون معارضة موقف إدارة بوش الامبريالي بافتراضهم يعتبرون اتفاقية سايكس بيكو نموذجا لهم؟

ويمكن التفكير في ثلاثة أسباب على الأقل.

الاول هو ان محاولة بايدن اليائسة بتقديم نفسه كمفكر جاد في الجيواستراتيجية بدون الاضطرار للاعتراف بعدم وجود اختيار أمام الولايات المتحدة ولكن أن تبقى إلى جانب الشعب العراقي حتى يهزموا العدو المشترك.

والسبب الثاني هو أن معظم الشخصيات الكبرى في الحزب الديموقراطي في مجلس الشيوخ، بمن فيهم عدد من المرشحين لمنصب الرئيس، يعتقدون أن إقرار مثل تلك المشاريع يمكن أن يهدئ من القاعدة المتطرفة المعادية للحرب. ففي العام الماضي، استعاد الديموقراطيون مجلس الكونغرس، وشكرا هنا لجهود منظمات قواعد الحزب التي اعترضت على تحرير العراق من البداية. وبعدها بعام، فشل الديموقراطيون في التأثير على استراتيجية الرئيس بوش في العراق. ولتهدئة الحركة المعادية للحرب، كان على الديموقراطيين قول وفعل شيء.

والسبب الثالث وربما يكون أهم الأسباب، كما هو الأمر في الشرق الأوسط، هو النفط.

ففكرة تقسيم العراق إلى ثلاث دول، وهو ما يعني تأسيس دولة كردية مستقلة في الشمال، طرحها للمرة الأولى دبلوماسي اميركي سابق يعمل في شركة النفط النرويجية «دي ان او». ولن تدهش إذا عرفت أن الخطة التفصيلية لتقسيم العراق، التي نشرت في كتاب، ظهرت بعد أسابيع من توقيع الشركة عقدا مع الحكومة الكردية في اربيل.

كما لا يمكنك الشعور بالدهشة من ان 12 على الأقل من أعضاء مجلس الشيوخ الذين أيدوا خطة بايدن لتقسم العراق حصلوا على تبرعات لحملاتهم من شركة نفط أخرى مهتمة بكردستان العراق. وهي شركة هانت اويل وهي شركة نفط في تكساس تشتهر بالمغامرة، وقد توصلت إلى اتفاق مع سلطات كردستان قبل أسابيع من اصدار بايدن لقراره.

كما شارك في العقد شركة نفط كندية عرضة لعدد من الخلافات بسبب دورها في السودان، بالإضافة إلى شركة فرنسية صغيرة لها علاقات مع النظام العسكري في بورما.

وعندما شن بوش الحرب لإسقاط صدام حسين، ادعى عدد من المراقبين أن هدفه الحقيقي هو السيطرة على احتياطي نفط العراق، وهو ثالث اكبر احتياطي في العالم. وحتى الآن بقيت شركات النفط الاميركية الكبيرة بعيدا عن العراق أو حاولت الحصول على موطئ قدم في إقليم كردستان الذي يتمتع بالحكم الذاتي.

وهنا يقول مسؤول عراقي كبير: «لقد قيل لنا ان الاميركيين يريدون سرقة نفطنا. وحتى الان وجدنا صعوبات في إقناعهم بالحضور للعراق والبدء في السرقة».

وخلال العامين الماضيين توصلت الحكومة العراقية إلى عدد من الاتفاقات مع شركات نفطية عدة من بلدان في مختلف أنحاء العالم بينها اليابان والصين وكوريا والهند والجزائر والبرازيل. غير أن الشركات الأميركية الكبرى اتخذت موقف الانتظار لإقرار البرلمان العراقي قانونا شاملا.

من جهة أخرى قد يفكر لوبي «التقسيم» بأنه يمكن أن يحصل على أموال هائلة من صفقات نفط سهلة مع الحكومة الكردية ذات الحكم الذاتي التي توفر لهم شروطا لا يمكن أن تفكر بها الحكومة المركزية في بغداد.

غير ان لوبي «التقسيم» ودافعي الأموال قد يحرقون أصابعهم. فأي نفط ينتج في المنطقة الكردية لا بد أن يصدر عبر العراق نفسه أو عبر تركيا وإيران. ومن المؤكد أن الحكومة المركزية العراقية لن تسمح للشركات الأجنبية بالعمل في أراضيها بدون الخضوع لقوانين البلاد ككل.

ومن الواضح أيضا انه لا إيران، بغض النظر عمن يحكمها، ولا تركيا يمكن أن تسمحا بظهور دولة كردية مستقلة في أي جزء من العراق. والحقيقة أن إقرار اقتراح بايدن من جانب مجلس الشيوخ الأميركي حفز في الحال على تشكيل لجنة أمنية إيرانية تركية لمنع انفصال كردي في العراق. وكان الجاران يناقشان الخطة منذ سنوات الثمانينات. وأدت خطوة الكونغرس الأميركي الى التوصل إلى اتفاق. وفي الوقت نفسه أغلقت إيران حدودها مع منطقة الحكم الذاتي في كردستان العراق، مهددة إياها بمشاكل اقتصادية خطيرة.

ان خطة تقسيم بايدن، المدفوعة باعتبارات حزبية ضيقة وحسابات بزنس غبية فعلت الكثير من الأضرار لآمال ترجمة المكاسب الأمنية في العراق الى حقائق سياسية دائمة.

وزادت الخطة من خطر التدخل العسكري التركي في شمال العراق، وهو أمر لن تكون الولايات المتحدة والحكومة العراقية التي ما تزال ضعيفة قادرتين على منعه. وقد منح رجال الدين في طهران تبريرا إضافيا للتدخل في العراق، خصوصا عبر الفرع الكردي لحزب الله.

والى ذلك شجعت الخطة العناصر الانفصالية الأكثر تطرفا وسط أكراد العراق، وهي أقلية صغيرة لكنها نشطة. على الطرف الآخر أسفرت خطة التقسيم عن دعم موقف البعض وسط العراقيين العرب الذين يزعمون أن الأكراد لا يستحقون أي نوع من الحكم الذاتي فيما من الممكن للضغوط من جانب الأكراد والشوفينيين العرب أن تؤدي إلى إضعاف، وربما انهيار، الائتلاف الهش الذي يترأسه نوري المالكي.

وأخيرا، بدأت خطة التقسيم واتفاقيات النفط المرتبطة بها إلى وضع ضغوط مسبقا على التحالف الكردي نفسه، وهو ائتلاف من عدة أحزاب ساعد على خلو إقليم كردستان من العنف.

ووفقا لمصادر مطلعة، يقف جلال طالباني، زعيم الاتحاد الوطني الكردستاني والرئيس الحالي للعراق، ضد أي خطوة من شأنها أن تؤدي إلى إضعاف الحكومة المركزية في بغداد. إلا أن الحزب الديمقراطي الكردستاني، بزعامة مسعود البرزاني الذي يترأس حكومة إقليم كردستان، يبدو أكثر قبولا لخطة التقسيم.

وربما يدرك الشخص المطلع على شؤون العراق حقيقة أن الأغلبية الساحقة من العراقيين، العرب والأكراد على حد سواء، ضد خطة التقسيم. وفي واقع الأمر لن يجد بايدن وأصدقاؤه أي شخصية عراقية ذات وزن توافق على مقترحهما بالتقسيم. والسؤال: لماذا تعمل الولايات المتحدة على تحويل غالبية العراقيين من أصدقاء الى أعداء بطرح مقترحات لتقسيم بلدهم ضد إرادتهم؟

جاءت الولايات المتحدة والدول الحليفة لها إلى العراق بتفويض واضح: إزالة النظام الدكتاتوري لصدام حسين وتمكين العراقيين من بناء نظام بمحض اختيارهم وإرادتهم فيما لم يكن تقسيم العراق جزءا من الاتفاق.