المجلات هي (خاطبة) العصر الحديث!

TT

لا بد أنه كان شاباً تعيساً ذلك الذي نشر إعلاناً في إحدى الصحف الألمانية في يناير (كانون الثاني) سنة 1868 يطلب فيه عروسا تناسبه. فقد جاء في الإعلان: شاب عمره 27 سنة من أسرة غنية، يرغب في الزواج من فتاة من أسرة غنية لا تزيد سنها على 25 سنة تحب الأطفال والحيوانات.

ولا أحد يعرف هل تزوج هذا الشاب بعد ذلك؟ وهل كانت زوجته فتاة قرأت هذا الإعلان؟ أو أنها فتاة أخرى التقى بها بمحض الصدفة في احدى الحفلات أو أنه تزوج واحدة من قريباته.. رغم معارضته لذلك في أول الأمر.. أو أنه أعرض عن الزواج؟!

يبدو أن هذا الشاب سجل أنه أول من نشر إعلان زواج في العالم!! واكتفى بذلك!

ولكن أشهر إعلان عن الزواج نشرته صحف أوروبا لصاحب جائزة نوبل، الفريد نوبل؛ الرجل الذي اخترع الديناميت ثم أراد أن يكفر عن هذه الخطيئة العلمية؛ فجمع كل ما كسبه من بيع الديناميت ليخصصه لجوائز مالية تشجيعا للبحث العلمي الذي يخفف آلام الإنسانية، ثم العمل من أجل السلام.. هذا الرجل أعلن عن حاجته لسكرتيرة.. وجاءت السكرتيرة.. وكانت من أسرة نمساوية عريقة.. وقبل أن يصارحها بحبه لها، اعترفت له هي بحبها لشخص آخر.. وأنها تحلم بالزواج منه.. وجاء اعترافها هذا حبلا من الديناميت نسف أحلام الرجل وأباد تفاؤله. وكانت هذه السكرتيرة هي حبه الوحيد.. وكانت أول امرأة تفوز بجائزة نوبل!!

وتتفاوت صيغ هذه الإعلانات في الصحف والمجلات، فهناك من يطلب صفات جسمية واضحة وصريحة، وأحيانا عادية.. وهناك إعلانات عن الصداقة.. هناك إعلانات تطلب صور فتيات. وباب إعلانات الزواج يعود بالمال الكثير على الصحف والمجلات في أوروبا وأميركا.

وهذه الإعلانات تؤكد حقيقة مؤلمة: وهي أنه برغم هذا الاختلاط الشديد بين الناس في العمل واللعب، فإن المسافة بين الناس بعيدة وشعور الناس بالعزلة والوحدة والأسى أعمق من أي وقت مضى!!

وكأن هذا الاختلاط بين الناس لا يكفي لأن يختار الإنسان أية واحدة فيتزوجها.. أو كأنه لا يجسر على أن يصارحها بذلك.. أو كأن أحداً لا يصدقه إذا أعلن أنه جاد في رغبته.. أو كأن هذا الزحام الذي يحيط بالإنسان من كل مكان قد يجعله يحس مرة أخرى بأنه وحده.. وأن الجنس الآخر بعيد عنه.. وأنه في حاجة إلى (خاطبة) والصحف هي خاطبة العصر الحديث!