«الفتوحات العربية الكبرى» قرار ابن مروان

TT

يرى المؤرخ والمستشرق هيو كينيدي (كمبريدج) أن سرعة الفتوحات الإسلامية كانت مذهلة، لكن التاريخ الإنساني حفل أيضا بظواهر مشابهة. من هذه غزوات الاسكندر الكبير وجنكيز خان. لكن ما يجعل الفتوحات الإسلامية أكثر أهمية هو الأثر المستديم في بلدان الفتوحات. فقط في إسبانيا والبرتغال، حصل الانقطاع في الأثر اللغوي والديني، في حين أصبحت مصر مركزا حضاريا عربيا، وإيران مركزا للتشدد. ويعبر كينيدي عن إعاقة عانى منها المؤرخون، وهي الافتقار الى الدقة العلمية بالنسبة الى بعض الفصول التاريخية. كمثل تسلسل الأحداث في فتح سورية، أو التاريخ الصحيح لمعركة القادسية في العراق. ولذلك يقول انه ليس واثقا تماما من دقة سرده، أو من تسلسله.

لا يجد المؤرخ ضيرا في الإقرار بأنه «وقف على أكتاف العمالقة» في وضع مؤلفه. ويعدد نحو عشرة من هؤلاء، ليس بينهم مؤلف عربي واحد. وقد لا نجد ذلك مفاجئا عندما نتذكر ان هناك نحو 15 جامعة ـ تليق بالتسمية ـ لـ350 مليون عربي، وهناك 1500 جامعة لـ350 مليون أميركي. ولذلك هناك مئات المؤلفات الموضوعية التي وضعها المستشرقون عن التاريخ العربي، يقابلها عشرات المحاولات العربية الخالية تماما من التوثيق، إلا ما اعتمد على المراجع العربية.

لذلك اعتمد كينيدي على المؤرخين العرب القدامى، مستفيدا من معرفته بالعربية والفارسية معا. ويشرح كينيدي لماذا استخدم العرب تعبير «الفتح» بدل «الغزو»، موضحا أن الفرق هو في السلوك وفي معاملة البلدان والشعوب.

والغزو قد يعني أحيانا الانتصار على مكان ثم إخلاءه، أما الفتح فيحمل صفة الاستمرارية. وقد رافق الفتح العربي انتقال أعداد كبرى من العرب الى الإقامة أو الاستيطان، في البلدان الجديدة.

يلفتني في كتاب كينيدي (421 صفحة) وقوف الأستاذ العالم عند بعض ما نعتبره مسلمات في قراءتنا العادية. على سبيل المثال، كنت أعتقد أن العرب أطلقوا اسم «الروم» على اليونانيين. أو على أهل بيزنطيا، أو روما الشرقية. وكل من كان أعجميا يومها كان «روميا». لكنني بعد قراءة كينيدي اكتشفت أن المسألة أبعد من هذا التفسير الاعتباطي، أو التبسيطي، وأن مواطني روما كانوا يطلقون على أنفسهم الاسم اليوناني Romaiol.

غير أن العرب شملوا بكلمة «الروم» مسيحيي أفريقيا الشمالية والإسبان.

أما أن اللغة العربية أصبحت لغة جميع الامبراطورية فيعود ذلك الى عام 700 عندما أصدر الخليفة عبد الملك بن مروان قرارا يجعل العربية وحدها لغة الإدارة في كل مكان. وهكذا تعين على كل من أراد وظيفة أو موقعا، أن يتعلم العربية أولا، سواء كان عربيا أم