نحو رؤية مائية شاملة

TT

مجرد انعقاد مؤتمر دولي في بيروت لاستخدامات المياه العربية دليل، بحد ذاته، على ازدياد الاهتمام العربي بقضية قد لا يكون من المبالغة في شيء وصفها بالأزمة المؤجلة... حتى الآن.

والواقع ان ما يعطي المشكلة المائية في العالم العربي أبعادا تتجاوز مثيلاتها في بعض ارجاء العالم الثالث، كونها مشكلة بيئية واستراتيجية في وقت واحد، فاضافة الى الشح المتزايد في مواردها، والى الانفجار السكاني في العديد من الدول العربية ـ الذي يؤدي، بدوره، الى مزيد من الضغوط على مواردها المائية المحدودة ـ تكمن مشكلة مياه العالم العربي في ان معظم مصادرها تقع خارج الاراضي العربية، مثل النيل ودجلة والفرات، وتشارك في مجاريها دول تسعى للاستئثار بالحصة الكبرى من مياهها مثل اسرائيل وتركيا.

وبموازاة هذا الواقع الجغرافي، تهدد ظاهرة التصحر ـ التي لا تنفصل عمليا عن حالة الندرة المائية ـ والتحولات المناخية في ظل ظاهرة التسخين الحراري (البيت الزجاجي) بتعقيد المشكلة المائية التي يواجهها العالم العربي، وبتأكيد إلحاحيتها، خصوصا في المجالات الزراعية.

باختصار، المشكلة المائية مشكلة عربية عامة وإن تفاوتت ابعادها، بعض الشيء، بين دولة وأخرى.

من هنا تبرز أهمية التنسيق العربي في مواجهتها على كل الصعد المتاحة، بدءا بمناقشة مختلف تقنيات استخدامات المياه وأولوياتها الزراعية والصناعية والمدنية واقتصادات استعمالها.

وعلى هذا الصعيد، بات ملحا اللجوء الى تقنيات تحد من نسبة الهدر ومن الاستخدامات غير السليمة للمياه، خصوصا في مجالات الري، وتطبيق تقنيات معالجة المياه واعادة استخدامها للأغراض الزراعية وكل التقنيات الفنية التي تكفل زيادة الانتاج الاقتصادي من موارد العالم العربي المائية.

ولأن المشكلة المائية العربية واحدة في جوهرها، فان البداية المطلوبة لمعالجة عربية شاملة لها قد تكون في تشكيل هيئة عربية على مستوى الفنيين والتقنيين، تُكلف بمسح الموارد المائية للعالم العربي، وعلى ضوء ما تتوصل اليه من نتائج، يجري وضع التشريعات والتنظيمات المطلوب تطبيقها لزيادة جدوى استعمال المياه ومواجهة التحديات المستقبلية على الصعيدين الفني والسياسي، على ان تترافق بتشريعات صارمة لمعاقبة الهدر والتفريط في الاستعمال في كل الدول العربية.