أحفاد المعلقة المتغطرسة

TT

رسالة بين الجد والهزل تلقيتها من القارئ الكريم محمد حسين المالكي، وقبل ان تسألني لماذا أصفها بهذه الصفات مع جديتها الواضحة تعال نقرأ سطورها معا فقد نصل الى قناعة مشتركة حول التوصيف.

راعني ما قرأته في زاويتكم التي احرص على قراءتها دوما، في الحضر والسفر، وذلك في العدد رقم 8212 بتاريخ 2001/5/23 ان كون نصف الشباب العربي جهلة اميين، وهم الذين يفترض فيهم ان يكونوا رجالا وحماة الغد وعدته، وان كون ثلاثة ارباع الامهات العربيات جاهلات اميات، فإن ذلك كفيل بان يوضح لنا ان الامة العربية هي مشروع فاشل مآله الى الزوال والاضمحلال. وتطرح هذه المعلومات علامات استفهام عجيبة وقليلة الذوق مثل: ما خطط الحكومات العربية لمعالجة هذه المصيبة؟ واين كانوا سابقا؟ وهل يجوز لنا ان نحلم بتقليص هذه النسبة؟ وكيف.. ولماذا.. واين.. ومتى.. وكل ما يخطر ببالنا من تساؤلات تجوز ولا تجوز. واقول انه لا غرو في تخلفنا العلمي والادبي والثقافي.. الخ حتى آخر القائمة ولن تقوم قائمة للوطن العربي في ظل هذا الجهل الضارب اطنابه يرتع فينا وفي مسامنا وجلودنا.

سيدي الفاضل.. تلك كانت ردة الفعل الاولى، ثم استدركت فحمدت الله. ان الوطن العربي بألف خير وخير.. فإنه بالرغم من ان ثلاثة ارباع فتياته اميات. ونصف شبابه كذلك، فقد انجب هذا الوطن عمالقة الادب والفكر والعلم والشعر والنثر في كل قطر عربي.. من العميد د. طه حسين الى العقاد، والجواهري والسياب ونزار قباني ومحمد حسين زيدان وغيرهم مئات بل آلاف رحم الله من توفي منهم وامد في عمر الاحياء. اقول انه لو كان معظم هذه الامة متعلما لربما لم نترك فرصة للشعوب الاخرى في العالم للابداع والتفوق.. لذا ومن منطلق الكرم والاريحية العربية الشهيرة فقد رضينا وارتضينا بهذا الجيل الشنيع كي نترك للآخرين بعض العلم وبعض الادب! م ـ محمد حسين المالكي ولولا استدراك الاخ المالكي في الفقرة الاخيرة لافترضت الجد الخالص حتى في الملاحظة الخاصة بطه حسين وربعه، وبالمناسبة فإن لي رأيا يتعلق بحظ اولئك الرواد الذين جاءوا في زمن فيه للكلمة والادب والشعر بعض الاحترام والكثير من الرنين وهذا ما لم تحصل عليه الاجيال الاقل حظا التي اتت بعدهم رغم تفوق بعض رموزها على الكثيرين منهم.

ان ظهور اولئك الفطاحل في مجتمع امي جزء اساسي من لمعانهم فلو ظهروا في حقبة اخرى تقدم فيها التعليم وتعددت وسائل التثقيف لما كان لهم ربع ما حصلوا عليه من شهرة وتأثير، وحصانة.

والمشكلة الآن ليست امية القراءة والكتابة انما الامية التكنولوجية التي تضعنا بين اميتين احلاهما اكثر مرارة من العلقم.

ومن الجد الى شبه الهزل، فقد تركنا يا اخي المالكي الكثير من العلم والادب والثقافة والاخلاق لشعوب كثيرة وتمسكنا بجهلنا وغطرستنا نعض عليهما بالنواجذ ونرفض التفريط بهما كي لا نتورط في حل اية مشكلة من مشاكلنا، فنفقد متعة التنبلة السعيدة التي تجعلنا ننام على أمجادنا التراثية ونصحو عليها.

وقوم، اهتمامهم بماضيهم التليد اكبر من تركيزهم على مستقبلهم السعيد سيتجهون حتما الى الوراء بحثا عما يطمئنون إليه، ويعيشون في ظلاله إكمالا لتلك البلهنية الحذرة التي تجعل الانسان صديق ما يعرف وعدو ما يجهل، والمشكلة اننا نظن اننا نعرف ماضينا جيدا، ولو دققت بالطريقة التي نحكي فيها عنه وبالاسلوب الذي نستفيد فيه من دروسه لوجدتنا كمعلقة عمرو بن كلثوم:

نجهل فوق جهل الجاهلينا ومن الآن والى ان نقرر تحرير انفسنا من الاميتين سيشرب الناس صفوا، وسنشرب ـ وعذرا من صاحب المعلقة المتغطرسة ـ كدرا وطينا.