هاكونا ماتاتا

TT

اكثر المسرحيات الموسيقية ازدحاما في العاصمة البريطانية هذا الصيف مسرحية «الأسد الملك» ومع انها ليست جديدة على المسرح وسبق تقديمها كفيلم للأطفال من خلال ديزني بالاسم ذاته The Lion King فإنك بالكاد تعثر على مقعد في هذه المسرحية المحبوبة.

وليس بين الفيلم والنص الذي يقدم على خشبة مسرح «ليثيوم» على الضفة الشمالية لنهر التيمز أية خلافات تذكر باستثناء تحويل القرد الحكيم (رافيكي) من ذكر الى انثى والاسم بالمناسبة مأخوذ من عربية اللهجة السواحلية والواضح ان اصله رفيقي.

ومن تلك اللهجة ايضا أتت اشهر عبارة في المسرحية والفيلم «هاكونا ماتاتا» وترجمتها الاقرب لا شيء يهم وقد اعجب هذا المصطلح اللامبالي الشبل سمبا الذي هرب بعد مؤامرة من عمه «سكا» اوهمته انه قتل والده الملك موفاسا.

وهذه المؤامرة لمن يذكرها في الفيلم هي الثانية فقد حاول «سكا» في طريقه لوراثة اخيه ترتيب قتل الوريث الصغير في مؤامرة اولى حين ارسله الى مقبرة الفيلة زاعما له ان الشجعان وحدهم يصلون الى ذلك المكان ثم ارسل الضباع خلفه ليقتلوه، ويريحوا العم منه الى الأبد.

والضباع في مسرحية «الأسد الملك» مثل الذئاب والكلاب في «مزرعة الحيوانات» لجورج اورويل يخدمون من هو اقوى، وليس عندهم ولاء لأحد، فهم في آخر المسرحية ينقلبون ضد العم المغتصب ويجهزون عليه بعد ان يلقي به ارضا الأسد الشاب.

ولعل أجمل مشاهد المسرحية هي فترة ضياع الشبل بعد هربه من شعبه ذوات الاربع ظنا منه وبايحاء من عمه انه قتل اباه، ففي تلك الفترة يتعرف على بومبا وتيمون وهما من اظرف شخصيات المسرحية ودوريهما من اصعب ما فيها، فقد وقع عليهما الخيار ليعلما الشبل الهارب عادات جديدة ليست من طبيعته، فمن اصعب العادات ان تمرن اسدا على أكل الحشائش والاعشاب، وتنسيه ماضيه اللحومي كي لا يجوع فيأكل منقذيه.

وتكتمل روعة المسرحية في مشهد الخديعة المائية حين تأتي القردة رفيقي وتحزن لما آل اليه حال الشبل وتخبره بأن أباه «موفاسا» لم يمت وتأخذه الى البحيرة ليشاهد وجهه، ومن كثرة الشبه بينه وبين ابيه لم يكتشف الخدعة واستعاد ثقته بنفسه وقرر العودة لمواجهة العم المغتصب، لا سيما بعد ان انضمت اليه رفيقة طفولته الجميلة نالا.

لقد ابدعت المخرجة جولي تيمور في هذا المشهد ايما ابداع واستغلت الامكانيات التقنية لتقدم لمشاهدي المسرح منظرا في غاية البهاء والتأثير. اما المنظر المبهر الآخر، فهو مشهد الافتتاح الذي تهجم فيه الحيوانات على المسرح من كل حدب وصوب من الصالة والسقف والبلكونات وجوانب الكواليس، وفي ذلك المشهد فيل ضخم تم تركيبه من عجلات وعدة ممثلين، وبالمناسبة فقد استغلت المخرجة العجلات كثيرا وقدمت من خلالها مشاهد متنوعة لقطعان الغزلان والحيوانات الشاردة فكانت العربة الواحدة تظهر وكأنها عدة غزلان تتقافز ذات اليمين وذات الشمال في عملية تخييلية ناجحة.

ان خلق مشاهد الغابة في قلب مسرح صغير نسبيا يتطلب مهارة خاصة ومخيلة ممتازة، وقد كان عند مخرجة العرض الكثير من الاثنتين وقد استغلت في سبيل هذا الهدف كل شيء بما في ذلك اجساد الممثلين فكثيرا ما ظهر الممثلون على شكل مزارع زهور او على شكل سهل حشائش وفي رقصة من رقصات المسرحية ظهرت حيوانات الغابة وهي تحمل اطباق الحشيش فوق الرؤوس لتؤدي واحدة من أجمل الرقصات وهي تحت الحشائش وليس فوقها.

ومن هذا القبيل كانت هناك حدائق متحركة، واشجار تنزل من السقف واعشاب تنمو على اجساد الممثلين ويتحركون بها لترسم عالما جميلا من السحر الحلال.

ومع ان هذا العرض كان في الاصل للاطفال فإن معظم حضوره في المسرح من الكبار وهم هناك ليستمتعوا ويتعلموا الحكمة من الحيوانات ليس على طريقة كليلة ودمنة لابن المقفع انما على طريقة تيم رايس الذي كتب اغاني تلك المسرحية البديعة ونجح مع موسيقى التون جون في اظهار الحزن والفرح والحب والكراهية والحكمة العميقة التي مثلتها القردة التي كانت تظهر في مطلع كل فصل لتقص ما يستفاد من تطور الاحداث وكيفية التعامل معها، وفي المشهد الحاسم الذي يستعيد فيه الشبل ثقته بنفسه تعلم منها ومعه حضور الصالة ان الانسان يتعامل مع الاشياء السيئة في الحياة بإحدى طريقتين، فاما ان يهرب منها او يتعلم منها ليتجاوزها.

وقد تعلم الشبل ان الهرب لا يفيد، فكل ما يصيبنا ولا يميتنا يقوينا ويزيدنا صلابة، وهناك فرق بين ان تقول هذه العبارة مكتوبة وبين ان تستخدم كل مؤثرات اللون والضوء والصوت للايحاء بها مستخدما عشرات المشاهد والممثلين، وهنا عبقرية المخرجة التي جعلت من فيلم قديم مسرحية لا تنسى.