الصحراء: لا الاستفتاء ولا الحل الثالث

TT

صادقت الجمعية العامة للأمم المتحدة يوم الاثنين الماضي على مخصصات البعثة الأممية المكلفة بالسهر على إجراء الاستفتاء في الصحراء الغربية المغربية، بمقتضى قرار روتيني، يشمل باقي بعثات السلام الأممية في مختلف مناطق العالم. وربطت الجمعية العامة قرارها الخاص بالمينورسو (البعثة الأممية في الصحراء)، بأن يصادق مجلس الأمن على تمديد مهمة هذه البعثة إلى ما بعد يونيو، حيث أن آخر مجلس للمجلس بشأن الصحراء، يمتد مفعوله حتى نهاية الشهر الحالي. وكانت الأمم المتحدة قد أوقفت مسلسل إعداد الاستفتاء، الذي كان مقررا ان يجرى في يوليو من العام الماضي، بعد ان تعذر الوصول إلى حلول عملية وسريعة لاستكمال إعداد لوائح من تحق لهم المشاركة في الاستفتاء، وقال الأمين العام إن المسألة قد تتأجل إلى عام 2002. وهذه هي المرة الثانية في ظرف عشرة أعوام التي تقرر فيها المنظمة العالمية إيقاف الاستعداد للاستفتاء، إذ كان الأمين العام السابق دي كويليار كان قد اوقف المسلسل في عام 1992، حينما تعذر تطبيق المقاييس التي اقترحها، لضبط لائحة الناخبين. ومعلوم ان خلفه بطرس غالي كان بدوره قد طرح على مجلس الأمن البحث عن طريق آخر غير الاستفتاء، او انسحاب الأمم المتحدة من الموضوع.

وحينما أدت التعقيدات المتوالية بالأمين العام الحالي إلى اقتراح البحث عن حل يكون وسطا بين الاستقلال او الإلحاق، ظهر ما سمي بالطريق الثالث، الذي وافق عليه مجلس الأمن في الخريف الماضي، وبمقتضى ذلك التفويض تمت مفاتحة الأطراف المعنية في شأن التفاوض على ان تقوم الحكومة المغربية بتفويض بعض من سلطاتها إلى سكان الإقليم. وهنا ظهرت في اجتماع برلين مع جيمس بيكر ـ ممثل الأمين العام ـ فكرة البحث عن الحل الثالث، فأعرب المغرب عن استعداده للالتقاء مع البوليزاريو للبحث عن حل سياسي.

وفي هذا الإطار جرت اتصالات بين الأمين العام والحكومة المغربية، التي قدمت مقترحاتها بهذا الصدد خطيا، وهي لا تخرج عن الصلاحيات التي يمنحها لها الدستور المغربي، أي تفويت التسيير لبعض الشؤون المحلية لممثلي السكان في نطاق اللامركزية التي ينص عليها الدستور، اسوة بما يتم في مختلف اقاليم البلاد الاخرى.

ووجد أعضاء مجلس الأمن في هذا مخرجا مرنا، لانه قبل كل شيء، يخلص الأمم المتحدة من النفقات الباهظة التي تتكبدها منذ احد عشر عاما على عملية يبدو انها عسيرة ومعقدة. وبدلا من التقيد بالتفاصيل التقنية والقانونية التي اثقل بها الملف طيلة ما يزيد على ربع قرن، تنفس الاعضاء الصعداء حينما لاحت في الافق تباشير حل سياسي. ذلك ان التمحيص في شأن الجوانب المعقدة التي يثيرها تحديد هوية من تحق لهم المشاركة في الاستفتاء أدى الى متاهات تناسلت عبر السنين منذ الستينات. وزاد الأمر تعقيدا ان الوجهة التي اتخذتها الأمور منذ 1991 اعطت للأمم المتحدة دورا مباشرا في الإشراف على الاستفتاء. وفيما طال النقاش الى ما لا نهاية حول معايير المشاركة في الاقتراع، تزايدت تكاليف الأمم المتحدة، وهذا عنصر ضغط بقوة على أصحاب القرار في مجلس الأمن.

وقد ايد الاتحاد الاوربي الاتجاه الى إنهاء المشكل عبر حل سياسي متفاوض عليه، وامتدحت أطراف دولية عديدة ما سمي بالحل الثالث، والذي لا يعتبره المغاربة حكومة واحزابا، سوى حل واحد يضمن تكريس الوحدة الترابية، وينسجم مع مضمون الدستور، الذي يعطي صلاحيات مهمة في تصريف الشؤون المحلية للمجالس المنتخبة. وشجع انتعاش الاتصالات على صعيد أقطار المغرب العربي في الشهور الأخيرة على التفكير في ان هذا الحل الثالث ربما يطوي نهائيا هذا الملف.

لقد سلم المغرب مقترحاته الى الامين العام كوفي عنان، وهي متجاوبة مع مقاربته الجديدة، وضمن العرض الذي قدم في اجتماع برلين. ولكن الجزائر لا ترى ان الحل السياسي المطروح متجاوبا مع مصالحها ومواقفها. وقد سلم المندوب الدائم للجزائر في الأمم المتحدة السفير عبد الله بايعلي او الامين العام رسالة تتضمن الموقف النهائي لبلاده حيال المقاربات المستجدة على صعيد مجلس الأمن، على ضوء تقرير الامين العام بتاريخ 25 اكتوبر 2000، ويقوم ذلك الموقف على مطالبة الأمم المتحدة بان تمضي قدما في مباشرة متطلبات إنجاز الاستفتاء. وتطلب تلك الرسالة من الامين العام ان يستأنف النظر في ملفات الراغبين في المشاركة في الاستفتاء. وخلافا لما تكهن به البعض، فإن الرسالة المذكورة، التي طلب المندوب الدائم للجزائر في الأمم المتحدة توزيعها كوثيقة رسمية، وهي موجودة في موقع الأمم المتحدة تحت رقم A، بتاريخ 22 فبراير 2001، لا ترى طريقا آخر لتسوية مسألة الصحراء سوى بتنظيم الاستفتاء. وتسجل الرسالة ان المنظمة الدولية يجب ألا تتخلى عن الاستفتاء. وهذا يقتضي ـ تضيف الرسالة المذكورة ـ ان تقوم الأمم المتحدة منطقيا باستكمال ما بدأته من حيث فرز ملفات المرشحين للمشاركة في الاستفتاء، وبذلك «تقوم بدفعة جديدة لتنفيذ مخطط التسوية الذي صادقت عليه الأطراف في 30 اغسطس 1988، وصادق عليه مجلس الأمن بمقتضي القرارات 658 (1990) و 690 (1991) بتاريخي 27 يونيو 1990 و29 أبريل 1991، باعتبارهما الإطار الوحيد للتسوية العادلة والنهائية للنزاع».

وقالت الجزائر في رسالتها، ان المجموعة الدولية، تنتظر من الأمم المتحدة ان تتصرف بحزم من اجل تطبيق مخطط التسوية، الذي أكدته الجمعية العامة في دورتها الخامسة والخمسين، وأكده مجلس الأمن في قراره 1324 (2000) بتاريخ 30 اكتوبر 2000، لكي تتابع المينورسو تطبيق الاتفاقات التي تم التوصل إليها في ما بين الاطراف.

وبعد تفاصيل مدققة اشتملت عليها الرسالة، تتعلق بفرز ملفات المرشحين للتصويت، وما تتطلبه المراحل المضمنة في مخطط التسوية، تطالب الجزائر بالرجوع الى استكمال تلك المراحل الباقية بفعالية وتشدد، وتؤكد على الخصوص ان الجزائر «لا ترى انه يوجد حل آخر عادل ونهائي لمسألة الصحراء الغربية غير الذي يقوم على المشروعية الدولية، أي بالتعبير الحر من لدن الشعب الصحراوي عن حقه غير القابل للتفويت في تقرير المصير» الذي تعتبر الرسالة انه يجب ان يجرى في أقرب وقت ممكن.

أي انه لا جديد غير الموقف الكلاسيكي للجزائر، والعودة الى النقطة المائة في الحوار الطويل والمضني حول المعايير. وهذا الموقف يلغي اي تكهن بكون مقاربة كوفي عنان الجديدة كانت نتيجة استقراء لاوضاع جديدة في المنطقة، وينهي أي مراهنة على ما قد تكون قد اوحى به انتعاش الاتصالات على صعيد اقطار المغرب العربي. ويجدر التذكير بان الصعوبات التي تكتنف هذه العملية، مستمرة منذ 1966 حينما كانت إسبانيا تتلكأ في تطبيق قرارات الأمم المتحدة بشأن اجراء استفتاء لتقرير المصير، ممتنعة عن إرجاع أفراد القبائل الصحراوية الذين وقع إبعادهم عن الاقليم، بسبب تطور المقاومة الوطنية ضد الوجود الاستعماري في الصحراء. ويبقى واضحا ان الأمر كله ليس إلا تعبيرا عن عياء من الأمم المتحدة التي اصبحت تنظر الى الملف من خلال فاتورة المينورسو. فكانت تضغط على المغرب من أجل ان يقبل لوائح المرشحين للتصويت على علاتها، اي بدون ادراج كل من يحق لهم ان يشاركوا في الاستفتاء من أبناء الاقليم الذين طردوا من بلادهم اثناء الاحتلال، علما بان قرارات الأمم المتحدة نفسها طيلة ما بين 1966 و1975 كانت تكرر سنة بعد أخرى مطالبتها لإسبانيا بان تسمح بعودتهم الى ديارهم ليتمكنوا من المشاركة في تقرير مصيرهم. ويبقى واضحا كذلك ان الحال مستمر على ما هو عليه. المغرب، في ارضه، ووجوده يتجذر سنة بعد اخرى، والمشكل الجيوسياسي، مستمر في أبعاده المعروفة. وهدير الحرب يعلو بين الفترة والاخرى، ومشاريع التسلح تستيقظ من جديد، في انتظار وعي آخر في سياق آخر.