الروس يتذكرون: خروشوف وعارف

TT

كلما أصدر يفغيني بريماكوف كتابا (1) سارعت الى قراءته وأسباب التلهف كثيرة. اذ قبل سقوط الاتحاد السوفياتي كان كل ما نقرأ لأهل موسكو لا يتعدى ولا يتجاوز بضعة كليشهات مضحكة، تتكرر في كل المناسبات، من اطلاق مركبة فضائية في اوركستوك الى عرض عسكري في الساحة الحمراء الى عرض فيلم «عودة البجع».

وكنا جميعا نعرف ان بريماكوف رافق احداث المنطقة منذ الخمسينات، ليس كمراسل «للبرافدا»، حيث يكتب بضعة أخبار مقتضبة لا تقول شيئا، لكن كسياسي له دور، وله علاقات، وتفتح له ابواب الحكم في مصر ودمشق والعراق. في أي ظرف، وفي أي وقت.

لذلك عندما بدأ بريماكوف يصدر الكتب بعد سقوط النظام، اعتقدنا ان الرجل سوف يفتح جعبته ويفرغ كل ما فيها في «دار مير» الكبرى للنشر. وفوجئنا عندما اصدر اول كتاب له حول دوره في أزمة العراق والكويت، بأن بريماكوف لا يريد الخروج من شخصية الرجل السري، أو المؤتمن. يعرف الكثير ولا يكشف سوى القليل. ولا يعنيه في شيء ان يكون مثيرا.

بعد كتابه العراق اصدر كتابا آخر حول العلاقات الدولية. وكانت ذكريات بلا مفاجآت، ثم اصدر كتابه «المعلوم والمجهول في الشرق الأوسط». والحقيقة انني حائر: هل هذا حقا كل ما يعرفه بريماكوف؟ وهل نقرأ أكثر الروس تعاطيا في شؤون المنطقة، من اجل ان يحيلنا على مراجع مثل هنري كيسنجر وسايروس فانس وهارولد ساندرز؟ مع ذلك، حاولت أن ادقق ما هو حقا «الخاص» الذي يعرفه بريماكوف؟ والى أي مدى هو حقيقي وقاطع؟ وهل ورد هذا «الجديد» في مراجع اخرى لم اطلع عليها، وبالتالي فهو ايضا ليس جديدا الا عليّ وحدي؟ لا ادري. لكنني سوف احاول انتقاء ما هو «مثير» في اضافات بريماكوف. فهو مثلا يشدد على ان ياسر عرفات لم يكن يؤيد صدام حسين في غزو الكويت، برغم جميع مواقفه المعلنة. ويقول ان عرفات كان يحاول صادقا مساعدة السوفيات في اقناع صدام بالانسحاب وتجنب الحرب، وانه قام برحلات خاصة الى بغداد من اجل ذلك.

ويروي ان موسكو استضافت عام 1983 طارق عزيز وعبد الحليم خدام، بعدما وصل النزاع بين سورية والعراق الى ذروته. وخصص للرجلين احد المقار الحكومية في منطقة هضاب لينين. وتعمد الروس ان يتركوا الرجلين منفردين. وعندما جاء بريماكوف لزيارتهما في المساء وجدهما يلعبان البليارد!. لكن الاتفاق نفسه بين الدولتين لم يحدث.

ويروي ان نيكيتيا خروشوف كان يكره عبد الرحمن عارف لأنه اطاح بعبد الكريم قاسم. وحاول جمال عبد الناصر ان يصالحه مع عارف خلال زيارة الى القاهرة. وقال للزعيم السوفياتي «عارف وطني يسعى للتقارب معكم». فصرخ خروشوف «لن اقضي حاجتي معه في مكان واحد». وتردد المترجم في نقل الكلام، فصرخ به خروشوف: ترجم حرفيا ما قلت!

(1) الشرق الأوسط: المعلوم والمخفي

دار اسكندرون ـ دمشق