الروس يتذكرون: «ظاهرة صدام»

TT

لا يترك يفغيني بريماكوف شكاً في مدى تأييد موسكو للثورة العراقية عام 1958. وعندما نشرت أميركا الأسطول السادس أخذنا نجري مناورات عسكرية «على حدودنا مع تركيا وإيران وعلى الحدود البلغارية ـ التركية من أجل ردع تركيا وباكستان وإيران التي كان بإمكانها أن تسحق الثورة».

توترت العلاقة بين موسكو والقاهرة بسبب دعم الروس الثورة العراقية. ولكن سادت في العاصمة الروسية قناعة بأنه يجب تفضيل عبد الكريم قاسم على جمال عبد الناصر. وقال رئيس البرلمان السوفياتي انستساس ميكويان لقاسم: «لقد أراد عبد الناصر أن يجر العراق كما جرَّ سورية. وإذا أدرتم الأمور جيدا وعلى أسس ديمقراطية سوف يؤثر ذلك في الشرق الأوسط برمته، وسوف تقارنك الشعوب بعبد الناصر، ولن يكون ذلك لمصلحته». أترك هنا الرواية للنص البريماكوفي: «فشلت محاولة اغتيال قاسم وقتل سائقه، أما قاسم فأصيب في يده. وتمكن صدام (حسين) الذي أصيب بجرح طفيف في ساقه برصاصة متآمر آخر، من الهرب إلى تكريت أول الأمر، بمساعدة المخابرات الأميركية والمصرية، ثم إلى سورية، حيث ساعده رجال المخابرات المصرية على الهرب إلى بيروت، وأخذت ترعاه هناك المخابرات الأميركية التي تكفلت إيجار الشقة والمصاريف اليومية. وبعد فترة ساعدت المخابرات الأميركية صدام على الانتقال إلى القاهرة. وعاد إلى العراق عام 1963 ورأس قسم الاستخبارات العسكرية في حزب البعث».

غير انه في الفصل الخاص «بظاهرة صدام حسين» يوضح بريماكوف أن صدام كان على علاقات مع وكالة الاستخبارات الأميركية «في شبابه» ولم يكن عميلا لها. ولم يصدق أيضا بأن الأميركيين سوف يوجهون الضربة إليه. أما أسباب احتلاله الكويت فعائدة إلى انه كان يأمل بالتأثير على حركة وأسعار النفط في العالم، وبالتالي على تزعم العالم العربي. ويقول بريماكوف إن صدام كان يحلل الأحداث والرجال بمعرفة وذكاء. ولذلك فوجئ به وهو يقدم للعالم تلك الصورة الفظة، يطلق الرصاص من بندقيته على شرفة القصر، وخلفه ابناه. ويقول إنه في وقت من الأوقات تقرب صدام من الأميركيين وابتعد عن السوفيات، خصوصا خلال مرحلة الحرب مع إيران، التي لم تتبلغ بها موسكو مسبقا برغم معاهدة الصداقة بين البلدين. ويروي أن صدام كان يعتمد كثيرا على حظه القوي و«نجمة السعد»، وكان يتوقع من معاونيه المدائح لا المعلومات الصحيحة. وأغضب السوفيات كثيرا عندما خدع سفيرهم في بغداد وأبلغه أن العراق لا ينوي مهاجمة إيران. ثم بعد أيام قليلة بدأ الهجوم. وعندما عاتب بريماكوف طارق عزيز كان جوابه غامضا، وقال إن الإيرانيين هم الذين بدأوا الحرب. التقى بريماكوف صدام حسين ثلاث مرات إبان احتلال الكويت. ورآه مقتنعا بأن أميركا لن تضرب.

وعندما وجهت ضربتها الجوية ظل مقتنعا بأنها لن تقوم بحرب ميدانية. وعندما فعلت كان مقتنعا بأنها لن تدخل إلى بغداد لإسقاط النظام. وهذا ما صحَّ.