ما أروع أن توقظك (حوريّة)

TT

هناك بعض الناس ممن يحبون السهر، غير أن (سهر عن سهر يفرق)، فسهر المريض غير سهر المتعافي، وسهر الحزين غير سهر الفرحان، وسهر العاشق غير سهر العذول، وسهر المستهتر المتمرغ في لذائذ الدنيا، غير سهر العابد القانت المتهجّد.

وهذا الصنف الأخير هو مبتغانا، ومثلنا الأعلى، وموضوعنا الذي نحث عليه.

ويقال انه ليس هناك بعد صلاة الفريضة أفضل من صلاة التهجّد.

وعلى المرأة الخيرة التي تريد أن توقظ زوجها في الثلث الأخير من الليل لتأدية تلك الصلاة، عليها أن توقظه في البداية بهدوء، وان حرن أو عصلج فلا بأس أن تنضح في وجهه قليلاً من الماء.

كما أن على الزوج الخير أن يفعل ذلك مع زوجته، غير أن هناك رجلاً أعرفه رغم انه كان خيراً بالفعل وقواماً ومتديناً، ولكنه فوق ذلك كان أحمق خفيف عقل، وعندما ذهب لإيقاظ زوجته كالعادة لأداء صلاة التهجّد وجدها ترزح تحت أطنان من النوم الثقيل نتيجة إزعاج الأطفال وإرهاقها بالعمل المنزلي طوال اليوم، وعندما حاول إيقاظها بالكلام والهز ووجدها لم تستجب من شدة التعب، فما كان منه بدلاً من أن ينضح قليلاً من الماء في وجهها، ما كان منه زيادة في الحماس إلاّ أن يأتي (بجردل) كبير من الماء البارد ويسكبه كله عليها ويغرق الفراش بكاملة، طبعاً استيقظت المسكينة فزعة وهي تصرخ، ونشبت بينهما خناقة وصلت إلى عنان السماء، ومنها إلى بيت أهلها تطلب (الخلع).

قرأت (لأزهر بن المغيث) وكان من القوامين، قال: سهوت ليلة عن وردي، كما سهت عن ذلك زوجتي التي كانت تنام بجانبي، فإذا بجارية كأحسن ما تكون، وكأنها توقظني من نومي، كانت امرأة لا تشبه نساء أهل الدنيا، فقلت لها: من أنت؟!، فقالت حوراء، فقلت: زوجيني من نفسك، فقالت: اخطبني من سيدي وامهرني، فقلت: وما مهرك: فقالت: طول التهجّد، وعندما سمعت ذلك نهضت من فراشي فرحاً وعلى عجل، وإذا بي لا أجد أحداً غير زوجتي الممددة، فحمدت الله وتوضأت واستغفرت وصليت.

الله أكبر لننظر ونتأمل كم هي (العقول الباطنة) لهؤلاء الأخيار، أصحاب الليل المتهجدين، كم هي صدورهم ممتلئة بالصلاح والتقوى، لأن الأحلام، وهي الأحلام تحابيهم حتى لو كانوا في (سابع نومة)، وتأتيهم بطيوف (الحور) لتوقظهم وهم في الدرك الأسفل من النوم، والغريب أن تلك الحورية لم توقظ سوى (ابن المغيث) وتركت زوجته تغط في سبات عميق.. يا ليتني أكتسب من (تبتل) هؤلاء الأخيار نصفه أو حتى ربعه، لأنني مع الأسف وأقولها وأنا في شدة الكسوف: (إذا راحت عليّ نومة) يغمى عليّ نهائياً، وتنطمس الأحلام في رأسي، وإذا أتت أحياناً، فإنها تأتي على شكل الوجوه القبيحة التي عرفتها، وأفلام الرعب التي أشاهدها، وفي الليلة البارحة بالذات استيقظت على صوت سيارة إسعاف.

ولكن ما زال عندي أمل، أن أشاهد في أحد أحلامي (حورية) واحدة، حتى لو من بعيد، وما هو ضروري تكلمني، تكفيني (طلّتها).

[email protected]