سحور اليتيمة

TT

نحن الآن في نهايات شهر رمضان الشريف, ولنهايته ما لبدايته من التقاليد والأفراح. ولا شك أن الانتهاء من مشقة الصيام فرحة للكبار واستقبال العيد فرحة للصغار. يسعى الصائمون لتناول آخر سحور لهم ويكون عادة سحورا مختصرا. ولهذا عمد بعض المسلمين الى تسميته بسحور اليتيمة، يتناوله الصائم بشوق وامتنان، متطلعا الى رمضان العام القادم. وهو ما قاله احد الفقهاء لرجل شكا إليه زوجته التي تتجاهل هذه الفريضة ولا تصوم. سأله هل يحل له ان يضربها في مثل هذا الشهر ويرغمها على الصيام؟ فقال له الفقيه: لا تفعل. فرمضان يروح ويرجع، ولكن الزوجة اذا زعلت وراحت فإنها لا ترجع. فضلا عن ذلك، فإن الله سبحانه وتعالى يغفر للعباد، فهو غفور رحيم، ولكن المرأة حقود زعول، لا تغفر للرجال.

لصباح العيد التزاماته ومشاكله. فعيد الفطر هو المناسبة لمكافأة من خدمنا بعمله. اعتدنا في بيتنا على تخصيص مبالغ توضع مساء في جانب من البيت لمكافأة من يطرق علينا الباب من حراس وكناسين وزبالين وموزعي الجرائد والمسحراتية الذين يضربون بالطبول طوال الشهر. ينتظرون منا جميعا «العيدية». يتساءل المرء فيقول ما الداعي لمكافأة الحارس الليلي وفي رمضان يمتنع الحرامية عن السرقات، أو هكذا يجب، وتزول الحاجة للحراس؟ ولكن السبت برقبة اليهودي، كما يقولون. وكل هؤلاء الكسبة ينتظرون عيديتهم شئنا أم أبينا.

رغم كل ما وراء صباح يوم العيد من بهجة وبشرى، فإنه كثيرا ما تصاحبه شتى العكننات، فهذا الولد لا يدخل البنطلون في رجله والمحروسة ليلى قندرتها ضيقة توجعها وتبدأ بالبكاء، وينطلق اخوها قدري بالصياح والاحتجاج لأن لون قميصه لا يعجبه. وتزعل الزوجة لأن زوجها ذهب لتعييد والده قبل تعييد والدها. ويبكي الآخر لأنه لم يتسلم من عمه «العيدية» التي كان يتوقعها. ولكنهم بعد دقائق قليلة يتغلبون على مشاكلهم وخيباتهم وينطلقون الى ساحات اللعب واللهو، يغنون ويتصارخون ويقيمون الأرض ويقعدونها. كانت أمنيتي للعيد ان أتوفق لركوب حمار للأجرة. اركبه وانطلق به فلا يركض خببا لبضعة أمتار حتى اقع منه وأعود للبيت أعرج على رجلي متألما، أسب كل الحمير وكل من اشتغل بها أو ركبها أو باعها. ولكن لا تمضي الأيام ويأتي عيد جديد حتى أهرع ثانية كالحمار لركب الحمير.

العجيب في أمر العيد انه لا يحل ويقترب بالنسبة لأكثر المتعلمين ويأتي ذكره إلا واستشهدوا بقول المتنبي:

عيد بأية حال عدت يا عيد

بما مضى أم لأمر فيك تجديد

ألا يوجد في كل الشعر العربي بيت آخر أكثر إشراقا وتفاؤلا نستشهد به في أيام العيد؟