أمريكا والمأزق الإيراني

TT

يفضل صانعو القرار السياسي الخارجي في الولايات المتحدة الأمريكية تطبيق الحلول بأسلوب القياس، أو ما يمكن أن يسمى بالوصفات الجاهزة. وفي أزمتها مع إيران حول ملفها النووي، لازالت الولايات المتحدة تؤكد أن دروس التفاوض مع كوريا الشمالية تحمل الحلول الناجعة للتعامل مع الملف الإيراني، حيث ترى تشابهاً في المشاكل ومن ثم نجاعة نفس الحلول، والخطأ يكمن الآن في فهم الولايات المتحدة الأمريكية أن كافة الدول التي تعمل على تطوير قدراتها النووية ينطلقون من نفس أجندة كوريا الشمالية، فدوافع دولة مثل كوريا الشمالية ليس بالضرورة أن يكون مماثلاً لدوافع دولة مثل إيران، تعيش في منطقة ذات أهمية بالغة للاقتصاد العالمي وخاصة الولايات المتحدة الأمريكية وفي منطقة ذات جذور عرقية وطائفية متجذرة. لذا فإن أي حلول تتجاهل العوامل الإقليمية في المنطقة للتعامل مع الملف النووي الإيراني، سواءً كانت اقتصادية، دينية، عرقية سياسية محكوم عليها بالفشل.

وقد أستغلت إيران انشغال امريكا في حربها ضد الإرهاب بعد أحداث 11 سبتمبر، وحققت الكثير من المكاسب (فردود الفعل القوية التي هيمنت على القرار السياسي الأمريكي في حربها ضد الإرهاب همشت الملف الإيراني ولم تعطه من الأهمية الشيء الكثير)، مما مكنها خلال فترة الحرب على الإرهاب وأثناء احتلال العراق من تعزيز مكانتها الإقليمية، من خلال تحالفاتها مع جماعات ودول في المنطقة تحت ستار مقاومة الاحتلال الإسرائيلي، وبالتالي محاولة كسب قاعدة جماهيرية أكبر في العالم العربي، وتغطية الهدف الأساسي لهذه التحالفات وهو تعزيز نفوذها في المنطقة، مما مكنها من البروز كلاعب أساسي في الشأن العراقي واللبناني والفلسطيني، وقناعتها أن المخرج الأمريكي من المستنقع العراقي، ومفتاح الحل في لبنان وفلسطين لا بد أن يمر من خلال طهران، وبذلك استطاعت إيران أن تُدّخل أطرافاً إقليمية أخرى كأوراق ضغط في مفاوضاتها حول برنامجها النووي، وبالتالي تعزيز موقفها التفاوضي للحصول على مكاسب أكبر مقابل تخليها عن برنامجها النووي.

فالولايات المتحدة الأمريكية لن تقبل بوجود إيران ثيوقراطية نووية، بعداوتها التقليدية للولايات المتحدة الأمريكية، وطموحاتها التوسعية، وترى أنها ستكون خطراً ماثلاً على كافة دول المنطقة، والاستراتيجيات الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط وآسيا، فما هو الحل للتعامل مع إيران من قبل الولايات المتحدة الأمريكية؟

لقد سعت كافة الإدارات الأمريكية المتعاقبة، على إيقاف المطامع النووية الإيرانية، ونجحت واشنطن في تأجيل سعي طهران للحصول على التقنية النووية، ونجحت إدارة رونالد ريغان آنذاك في حمل أوربا على وقف تعاونها النووي مع إيران، كما نجحت في حمل الصين على وقف تعاونها، مما دفع طهران للتوجه لمصدر جديد، وهو روسيا والذي سارع بملء الفراغ الناتج من توقف اللاعبين الدوليين.

كما أعلنت إدارة بوش مراراً، دعمها للإطاحة بالنظام الديني الإيراني (إلا أن تغيير النظام طموح أكثر منه استراتيجية فالحكومة الدينية الإيرانية زامنت سبعة رؤساء أمريكيين ولا يبدو أنها ستنهار قريباً)، كما دعت الاتحاد الأوربي لوضع المزيد من الجزر على طاولة المفاوضات، لإغراء إيران بالجلوس للتفاوض، وأدى عدم تجاوب إيران إلى نجاح أمريكا في تمرير بعض العقوبات المحدودة من خلال مجلس الأمن، ولم تكن ذات أثر يذكر، لا على الاقتصاد، ولا على القيادة، ولا على برنامجها النووي، ويعزى ذلك لعدم موافقة روسيا والصين آنذاك، بل حتى ألمانيا وفرنسا على العقوبات، مما جعل إيران تقترب يوماً بعد يوم من تحقيق طموحها النووي، فهل استطاعت إيران من خلال تواجدها في العراق ولبنان وفلسطين، وعدم القدرة الأمريكية للتعامل مع تلك الملفات، من إعطاء إشارات، فسرها الإيرانيون بعدم رغبة الولايات المتحدة، أو عدم وجود الإرادة السياسية لديها للتعامل مع ملفها النووي، مما دفعها للتصلب في مفاوضاتها، وهل اعتماد المفاوضات مع إيران على الطرق الدبلوماسية مع التهديد بالحرب كافية لوحدها، على تحويل النظام الديني الإيراني عن الطموحات النووية، أم أنه لابد أن تستخدم أمريكا الجزرات مع العصي في تعاملها مع إيران!! ويرى البعض أن التفاوض بين واشنطن وإيران يجب أن يتم فوراً وأن تظهر الإدارة الأمريكية الإرادة والرغبة القوية في تخلي إيران عن برنامجها النووي وتقليص نفوذها في المنطقة، وأن ذلك هو الحل المرحلي الأمثل وفي حالة الفشل لا يبقى إلا الضغط على إيران اقتصادياً ثم عسكرياً. فهل استراتيجية تقليم الأظافر الإيرانية وشن حرب جديدة في المنطقة على إيران هي الحل؟

أم أن خصخصة الدول لتقوم بدور مماثل في حفط الأمن في العالم كشركات الأمن التي بدأت الولايات المتحدة باستخدامها في الحروب كشركة بلاك وتر في العراق هي التوجه الجديد للولايات المتحدة في ظل عولمة الاقتصاد وخصخصة الحروب والتخلي عن الآيديولوجيا مقابل المصلحة، فهل تنتصر البرجمــاتية على الآيديولوجيا وتقبل إيران بهذا الدور وتتخلى عن برنامجها النووي مقابل ذلك؟

* كاتب سعودي

amalik _ s@ hotmail.com