إيران وأميركا: احتكاك خطأين.. أم مفاوضات على خطين؟

TT

هل يجلس الطرفان على طاولة المفاوضات أم يستمران في المناورة؟ الطرف الأول بانتظار أن يفوز الإصلاحيون في انتخابات مجلس الشورى في شهر آذار (مارس) المقبل، والطرف الثاني، بانتظار وصول رئيس جديد إلى البيت الأبيض يخلف الرئيس الحالي جورج دبليو بوش وتتضح ملامحه في شهر تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل؟

الى جانب « الاستعدادات الكلامية» للحرب المتوقعة بين واشنطن وطهران، هناك أيضا إشارات مبهمة لاستئناف المفاوضات بين العاصمتين، وكأن هناك تجاوزاً من قبل الطرفين لمن يقف عقبة، ويصر على قرع طبول الحرب، حتى أن اصواتاً عراقية كانت محسوبة على إيران بدأت تحذر وتشير بوضوح إلى إشعال إيران النار العراقية.

ويوم الأحد الماضي، رحبت إيران بدعوة الرئيس جورج دبليو بوش لمفاوضات بين البلدين لكنها قالت إنها لن توقف برنامجها النووي من اجل البدء في المفاوضات وقال الناطق باسم الخارجية الإيرانية، إن دعوة بوش ليست بجديدة إنما «أكثر وضوحاً من سابقاتها». في ذلك اليوم، أكدت صحيفة «الصانداي تلغراف» ما صار معروفاً تقريباً من ان وزير الدفاع الاميركي روبرت غيتس يقف على رأس المعارضين لتوجيه ضربة عسكرية ضد إيران، وانه يقوم بحملة لزعزعة فريق نائب الرئيس ديك تشيني حامل لواء الحرب، وان كبار العسكريين الاميركيين يميلون إلى موقف غيتس الذي كان هدد بالاستقالة إذا اتخذ الرئيس قرار الحرب. ويوم السبت الماضي، اكد الرئيس الاميركي جورج دبليو بوش في حديث إلى محطة «العربية» ان بلاده لا تعد الخطط للهجوم على إيران.

أيضا في ذلك اليوم، كان مستشار الأمن القومي العراقي موفق الربيعي يتهم إيران بتزويد الميليشيات الموالية لها بأسلحة متقدمة (يقال صواريخ سام ـ6) وان المرشد الأعلى للثورة الإسلامية آية الله علي خامنئي وافق على نشاطات إيران في العراق، وأنها ربما اخترقت أجهزة الاستخبارات العراقية.

وكان لوحظ انه في الثاني من هذا الشهر نشرت صحيفة «اعتماد ميللي» الإيرانية تعليقاً لافتاً للنظر يحمل عنوان: «بروية، الأصدقاء يعودون إلى بعضهم البعض»، ناقش التعليق كيف بُذلت الجهود في إيران للبدء في مفاوضات مع الولايات المتحدة، وكيف أن المتشددين كانوا ينسفونها. وأكد الكاتب: «أن النقاش في إيران لم يكن عما إذا كان على طهران التفاوض مع واشنطن إنما كيف عليها إدارة هذه المفاوضات ومن المخوّل لإدارتها».

ويملك صحيفة « اعتماد ميللي» مهدي كروبي عضو سابق في مجلس تشخيص النظام وهو مقرب من الرئيسين الإيرانيين السابقين محمد خاتمي وهاشمي رفسنجاني، كما انه مقرب من خامنئي.

وفي الثالث من الشهر الجاري، ابلغ الرئيس بوش مجموعة من رجال الأعمال عن استعداده للجلوس إلى طاولة المفاوضات مع إيران، إذا علقت برنامجها النووي. وكرر هذا العرض عندما سجل مقابلته مع محطة «العربية» في الخامس من الشهر الجاري.

المهم في الأمر، تعبير الرئيس الاميركي عن رغبته الشخصية في التعامل مع إيران، وابلغني مصدر اميركي أن المسألة النووية ستبقى على الطاولة، وأشار إلى معرفة الاميركيين بأن إيران لا تنوي التخلي عن برنامجها النووي قبل بدء المفاوضات، «ومع معرفتنا باستعدادها لإغلاقه أثناء المفاوضات، إلا أنها تريد استعماله كوسيلة ابتزاز للحصول على أقصى التنازلات من الولايات المتحدة قبل أن تتخلى عن برنامجها النووي». وحسب مصدر اوروبي، فان الولايات المتحدة لا تتوقع أن يرضخ الإيرانيون لشرطها.

مع بداية الحملة الاميركية الأمنية في العراق، كانت التوقعات أن تبدأ الولايات المتحدة مفاوضات جدية مع إيران حول العراق، لأن كلا الطرفين شعر بأنه غير متمكن من التحكم بالوضع في العراق، لكن التقرير الذي قدمه الجنرال ديفيد بترايوس إلى الكونغرس، ترك وقعاً معاكساً، إذ استبعد الكونغرس انسحاباً اميركياً سريعاً وأحاديا من العراق وتلا ذلك تحسن العلاقة بين الرئيس بوش والسنّة العراقيين (قام بزيارة الانبار). ولأن أسوأ ما يمكن أن يحدث في العراق بنظر الإيرانيين، قيام تحالف اميركي ـ سني، فمن الممكن ان يكون هذا الاحتمال يشدهم الآن إلى العودة الى طاولة المفاوضات. ولأن علاقة الاميركيين والسنّة ليست قوية وثابتة بحيث تسمح لواشنطن بأن ترهن استراتيجيتها في العراق عليها، يشعر الاميركيون بحاجة إلى الحديث مع الإيرانيين. ويقول المصدر الاميركي رداً على هذا التحليل، أن الجواب، إذا كان لا بد منه، «سيأتي عبر مفاوضات سرية تناقش وضع البرنامج النووي الإيراني، ولأن الولايات المتحدة لا تستطيع البدء في مفاوضات إذا استمرت إيران في برنامجها، ولأن الأخيرة لا تستطيع التخلي عن هذا البرنامج قبل المفاوضات، لأن من شأن ذلك أن يضعف موقفها تماماً، فان الحل الوسط يكون بإعادة إحياء الاقتراح الروسي بتخصيب مشترك لليورانيوم الإيراني فوق الأراضي الروسية، وقد يكون هذا ما يجري العمل عليه وراء الأبواب المغلقة».

ورغم أن واشنطن ملتزمة بإبقاء وجود عسكري قوي لها في العراق وبدعمها للسنّة لمنع إيران من ملء الفراغ، إلا انه إذا جرت مفاوضات بين الدولتين، فان إيران ترغب بذريعة حماية أمنها الوطني على المدى البعيد، في التوصل إلى تفاهم مع الولايات المتحدة حول العراق، بحيث تعترف الأخيرة بنفوذها في المنطقة و«أن تعترف» بمصالحها الجيوسياسية والدينية في العراق. وكان السفير الإيراني في العراق حسن قاظمي قمي مباشراً في قوله للسفير الاميركي في العراق ريان كروكر خلال اللقاء الاميركي ـ الإيراني ـ العراقي في 23 أيار (مايو) الماضي في بغداد، «أن إيران تريد من واشنطن أن تقبل بأن العراق ملعبها الخلفي». والمعروف انه خلال المفاوضات السرية بين واشنطن وطهران عام 2003 ضمنت إيران اقتراحاً مماثلاً بأن «تحترم واشنطن المصالح الإيرانية في العراق، وعلاقاتها الدينية بالنجف وكربلاء».

ويقول احد الإيرانيين في لندن، ان الرئيس احمدي نجاد فقد شعبيته ومن المؤكد انه سيخسر الرئاسة عام 2009، ثم انه ليس القائد الاعلى للقوات المسلحة، ولا يقرر السياسة الخارجية، وآخر مرة هاجمت إيران دولة جارة كانت في القرن السابع عشر. ويرد المصدر الاميركي على هذا التبرير بالقول، «ان احمدي نجاد ليس كل المشكلة، اذ تريد واشنطن الحد من طموحات إيران النووية، وتحديد أدوارها الشرعية وغير الشرعية في العراق وأفغانستان، وتقليص دعمها لمجموعات متطرفة مثل «حماس» و«حزب الله» و«الجهاد الإسلامي»، كما إنها تريد مراجعة سجل النظام الإيراني في ما يتعلق بحقوق الإنسان. ويضيف: «هذه بعض المواضيع التي ستوضع على طاولة المفاوضات، أما الهدف الأساسي فسيكون التشجيع على بروز إيران ديموقراطية ومسالمة وعلى إقامتها علاقات طبيعية مع بقية الدول بما فيها الولايات المتحدة».

الدولتان تطرقان ببطء على باب بعضهما البعض وتتبادلان الرسائل عبر التصريحات والتعليقات، مع الإبقاء على موعد دولي الشهر المقبل في مجلس الأمن. لكن، لا يبدو أن أيا منهما حددت موقفها بعد. وليس واضحاً ما إذا كانت هذه الإشارات موجهة إلى المسؤولين الحاليين في البلدين، أم أن واشنطن تتطلع إلى مجلس شورى جديد في إيران، وان طهران قررت انتظار ما بعد بوش في البيت الأبيض. إن هذه المناورات لا تلغي احتمال احتكاك خطأين بحيث تكون شرارتهما حرباً بالصدفة!