صرخة واجبة: حتى لا نخسر معركتنا مع الإيدز

TT

في اليوم الذي تقرأون فيه هذا المقال يصاب حوالي 12 ألف شخص بالإيدز في مختلف أنحاء العالم. ولن يعلم 90 في المائة منهم، أي حوالي 10800 شخص بأنهم مصابون، إلى أن تظهر الأعراض الكاملة لذلك في عام 2015. وحتى ذلك الحين فان هؤلاء الناس سينشرون من دون قصد الفيروس الموجود بصورة صامتة داخل كل واحد منهم.

ولكن في الأول من ديسمبر، وهو اليوم السنوي العالمي التاسع عشر للإيدز، سيبلغ الزعماء السياسيون ومسؤولو الصحة الدوليون العالم، مرة أخرى، بأنه على الرغم من الصراع، وبعيدا عن ان يكون في نهايته، فان هناك تقدما يتحقق، ولكن المكافحة ضرورية بغض النظر عن اللانهاية، ولكن لا تصدقوا النصف الثاني من هذا التعبير.

ومن المؤثر أن ما يزيد على مليونين من المصابين بالإيدز يتناولون أدوية للعلاج وإنقاذ حياتهم، بفضل البرامج السخية من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والصندوق العالمي ومؤسسات غيتس وكلينتون وآخرين. ويتعين أن يفتخر الأميركيون بحقيقة أن الولايات المتحدة، التي تقدم مساعدة رسمية تزيد على 13 مليار دولار منذ عام 2003، قد قادت العالم بطريقة تستحضر برامج سخية تقتبس من الماضي، مثل خطة مارشال.

ولكن البرامج الواقعية يجب أن تقاس بالمعيار الوحيد الذي يهم في نهاية المطاف وهو: هل يتقلص عدد الناس المصابين بالإيدز حقيقة أو في سياق الممكن؟ الجواب بالنفي. فعدد الناس الذين يصابون كل يوم ما يزال يتجاوز إلى حد كبير عدد من يعالجون كل يوم. وقد بدأ أنتوني فوسي، المجير الشهير للمعهد القومي لأمراض الحساسية والأمراض المعدية في المعهد القومي للصحة، هذه القضية بتعابير دراماتيكية. فقد قال متحدثا في يوليو الماضي في مؤتمر دولي: «انه ومقابل كل شخص تضعونه في العلاج يصاب ستة أشخاص. ولهذا فإننا نخسر تلك اللعبة»، مضيفا انه «من الواضح أن الوقاية يجب أن يتم التعامل معها بطريقة فعالة جدا».

وكاستراتيجية لإلحاق هزيمة بالإيدز فان التركيز على العلاج كأساس أو بصورة أساسية تجعله يسبق حزمة أخرى من الإجراءات، لن يفلح. ولا يمكنه إلا أن يبقي بعض الناس المصابين أحياء، وبالتالي فقط عندما يتناولون الأدوية كل يوم طيلة حياتهم (وإذا ما توقفوا عن تناول الأدوية حتى لأيام قليلة، فان إصابتهم يمكن أن تصبح مقاومة للدواء).

ومن هنا، فالطريقة الوحيدة لتغيير اتجاه انتشار الفيروس هي التركيز على الوقاية. ويتعين ملاحظة أن الإصابة تكون غير معروفة لدى الأشخاص المصابين لفترة تقرب من ثماني سنوات قبل أن تظهر كاملة. وهنا المشكلة: أكثر من 90 في المائة من المصابين بالإيدز لا يعرفون حالتهم وينقلون الفيروس من دون قصد لفترة ثماني سنوات إلى زوجاتهم وعشيقاتهم، والذين يشاركونهم الإبر التي تزرع تحت الجلد.

وفي ظل عدم إمكانية توفر لقاح إلا بعد عشر سنوات أو أكثر، تحتاج عملية منع المرض إلى تركيز فوري وتوفير المزيد من الموارد، إلا أن غالبية الذين يعملون في مكافحة مرض الإيدز لا يزالون ممتنعين عن الاعتراف بفشل الاستراتيجيات الحالية، أي إستراتجية عملية يجب أن تشتمل على التعليم والرعاية الاجتماعية، وتوزيع العوازل المطاطية مجانا، وتمكين النساء من الإحاطة والتحوط من المرض، وإجراء المزيد من عمليات الختان للذكور والامتناع عن الملذات.

إلا أن أيا من هذه لن يحقق نجاحا من دون إجراء عمليات فحص على نطاق واسع، وهي عمليات غاية في السرية وباتت تجرى الآن بطريقة مبسطة وسريعة لا تستغرق أكثر من 15 دقيقة. وأشير هنا إلى أنني سبق أن تلقيت انتقادات في وقت سابق من العاملين في الحقل الصحي بسبب تأييد إجراء الفحص على اعتبار انه ينتهك خصوصية الفرد. هذه بالطبع ليست نيتي لأنني أقف إلى جانب احترام جانبي السرية والخصوصية.

ومن هنا أيضا يجب أن يكون هناك اهتمام عندما يتحدث الدكتور فوسي. فهو واحد مثل الرئيس الأسبق بيل كلينتون، كان فوسي واحدا من بضعة أشخاص أيدوا علنا زيادة واسعة في عمليات الفحص كجزء من إستراتيجية لوقف انتشار مرض الإيدز. وأفتح قوسا هنا لأقول إنه حتى في الولايات المتحدة ، فهناك واحد على الأقل من كل أربعة اميركيين مصاب بالإيدز، (ولكنه لا يعرف أنه مصاب بالفيروس).

وتجدر الإشارة هنا إلى أنه لم يحدث في التعامل مع أي وباء آخر في التاريخ الحديث، أن كانت عمليات الكشف والتحري عن المرض تقع في آخر الاولويات. ولكن لأن الايدز مرض ينتقل بالاتصال الجنسي لا يزال، يتم النظر إليه كوصمة في الكثير من دول العالم، بما في ذلك الولايات المتحدة. فالمصابون بالايدز يفقدون وظائفهم وتلفظهم أسرهم، ويحرمون من الرعاية الصحية، ويتركون للموت لوحدهم.

وأخيرا، يبقى التحدي مع هذا المرض من وجهة نظري ذاهبا الى تجاه حقل الصحة الدولية، وذلك هو قول الحقيقة في اليوم العالمي لمكافحة مرض الإيدز. يجب الاعتراف بأننا نخسر، ومن الأفضل تأييد استراتيجيات من شأنها التأكيد على أهمية عمليات منع الإصابة بمرض الإيدز والكشف عنه اعتمادا على نظام الفحوصات الناجحة التي جرى تجريبها في كل من بوتسوانا ولسوتو وملاوي. إذا لم تتغير السياسات الحالية، فإننا سنواجه نموا لا تمكن السيطرة عليه في نفقات علاج ضحايا مرض كان ممكنا منعه تماما، على حد قول الرئيس الاميركي الأسبق بيل كلينتون.

* ممثل أميركا السابق بالأمم المتحدة ورئيس The Global Business Coalition لمكافحة الإيدز والسل والملاريا

خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الاوسط»