تنافس

TT

إلى كل من كان يحمل هم انطلاقة حرب في الشرق الأوسط، نزف إليه البشرى أن الحرب قد انطلقت بين مصر وسورية. ليس خافيا على أحد أن أهم المسلسلات الدرامية يتم إنتاجها ما بين هذين البلدين، إلا أن الاتهامات المتبادلة بينهما واستعراض العضلات بلغت مستوى غير مسبوق. فها هو حسين فهمي الممثل المصري المعروف يقول: «إن أصغر ممثل في مصر يتحدى أكبر ممثل سوري»، وها هو عباس النوري الممثل السوري البارز يقول: «إن أصغر راقص دبكة في سورية يمثل أفضل من ممثلي مصر»، وساهم كل من نجدت أنور وأحمد ماهر في زيادة حجم النقاش. الصراع بين سورية ومصر على كعكة الدراما التلفزيونية لن يتوقف، وهو مرشح للازدياد في ظل الصرف الكبير على المسلسلات بشكل متزايد، ولعل هذا التنافس هو «بالضبط» ما كانت تحتاجه الدراما العربية لكي تتطور. فالدراما المصرية التي أنتجت أعمالا لافتة مثل الملحمة الكبيرة «ليالي الحلمية» ومسلسلات ناجحة أخرى مثل «عائلة الحاج متولي» و«رأفت الهجان» وغيرها، أصابها الخمول لتشهد تألق السوريين في إنتاجاتهم المميزة كـ«ليالي الصالحية» و«باب الحارة» و«خان الحرير»، وبدلا من أن يحدث تكامل وتعاون (كما يحصل الآن في مسلسل «الملك فاروق») بين الكوادر المصرية والسورية، راحوا يتخبطون في بعض ويكيلون أسوأ الاتهامات. والطريف في هذا الأمر أن هذه الاتهامات تأتي ممن صدر القومية والعروبة وغيرهما من الاسطوانات السياسية المشروخة عن طريق الناصرية والبعث و«ساعة الجد». انقلبت المسألة إلى شأن وطني خاص جدا، وهو نموذج مصغر للفشل الذي أصاب الطروحات العاطفية التي تتغنى بالشعارات الفارغة. واضح جدا أن المسلسلات المنتجة أصبحت تشكل اقتصادا متكاملا يؤثر على العديد من الصناعات المكملة، كما أنها باتت أداة للتأثير تتفوق على غيرها، فلو صرفت الملايين على الكتب والندوات لتوضيح الحقائق المتعلقة بالعهد الملكي في مصر لما تمكنوا من إحداث نفس الأثر كالذي تسبب فيه مسلسل «الملك فاروق» مؤخرا. وكذلك قدم مسلسل «باب الحارة» أهم عمل جمالي بديع عن العادات الشامية العريقة أبلغ مما تقدر أن تعمله آليات وزارتي الإعلام والسياحة ولا أصوات الأحزاب وصحفها. الدراما التلفزيونية لم تعد فقط أداة ترفيه، بل باتت وسائل تثقيفية ومؤثرة تتطلب بالتالي تحسين وسائل المنافسة بجدية بدلا من «الروح» المشترك المخجل المعيب.

[email protected]