خذلنا ساركوزي

TT

هناك فريق في الدولة اللبنانية كان ينتظر اليوم الذي يخرج فيه جاك شيراك من الإليزيه. فما أن يودع أهل القصر حتى تتغير سياسة فرنسا وتنتهي آلام لبنان. وكان وزير هتلر الشهير الهَّر غوبلز قد راهن في الحرب العالمية على غياب الرئيس الأميركي روزفلت. فما أن يذهب حتى تريح ألمانيا الحرب والتحية للفوهرر، وما أن غاب روزفلت حتى بدأت ألمانيا واليابان وإيطاليا تترحم عليه. لقد جاء خلف يحمل القنبلة الذرية ويرميها أيضاً.

الفريق اللبناني الذي كان ينتظر خروج شيراك يستعد للقيام بتظاهرة تطالب بعودته. لقد أثبت نيكولا ساركوزي خلال نصف عام أنه على يمين شيراك ويسار جورج بوش. وقد حل في السياسة الأميركية الكبرى محل طوني بلير. وها هو يكلف نفسه إقناع روسيا، وربما غدا الصين، بتأييد الموقف الغربي من إيران ومن معركة الرئاسة في لبنان.

المشكلة في التحليل الشرقي للسياسات الغربية أنه يعتمد دائماً المقاييس الشرقية. ولذا تقوم الدول والأمم على الشخص الأوحد. لكن في بلد مثل فرنسا حيث لا تزال تسود «ديمقراطية الحمير» كما وصف العقيد القذافي الفكر الأفلاطوني، الشخص جزء من الدولة. لذلك، مثلا، جاء الاشتراكي فرنسوا ميتيران المعارض والمنافس التاريخي لديغول، ولم يغير شيئاً في «الجمهورية الخامسة». وفي هذه الجمهورية سقط مؤسسها لأنه أخفق في الحصول على أكثرية ساحقة في استفتاء عادي.

في التحليل السياسي، يجب استبعاد المزاج. لا يمكن أن يلعب «تلبك المعدة» دوراً في حياة الشعوب. وأشد ما يذهلني التعليقات العربية المصابة بالذهول، بسبب سياسات ساركوزي. وبالإضافة إلى الأكثرية المعهودة، التي تريد أن تلقنه درساً قاسياً في مصلحة فرنسا (العليا، دائماً) هناك من يذكره (باعتباره قصير الذاكرة) غالباً بمواقف شارل ديغول.. مع العلم أنه منذ مواقف ديغول عام 1967 إلى موقف شيراك من احتلال العراق، اتخذ الرؤساء الآخرون مواقف لا تقل أهمية على الإطلاق، لكن الصحافة العربية اعتبرتها مجرد واجب عادي تؤديه فرنسا.

تحدث المشكلة فقط عندما تخفق الدولة في واجبها، فنتذكر أنه كان من الأفضل الآن لو بقي المسيو شيراك. لكن هناك عقبة كبرى. ففي الدول المصرة على اعتماد ديمقراطية الحمير لا يستطيع الرئيس أن يمدد خلافاً لرأي الشعب الأبي، الذي يفضل الرئاسات أربعين عاما. في الولاية الأولى.