أب بالقطعة وأب بالتعيين!

TT

في المجتمعات البدائية عندما تلد الزوجة يهرب زوجها إلى الغابة، وبعد أيام يذهب إليه أفراد من القبيلة يؤكدون له أن المولود إنسان وليس حيواناً.. أي أن زوجته لم تكن على علاقة بحيوان آخر، وأن المولود شبيه جدا به، ومعنى ذلك أنه هو الأب الشرعي للطفل..

وكثير من العادات البدائية أخفتها الحضارة الحديثة بأغشية رقيقة مهذبة، فلا يزال هذا الشعور موجوداً بشكل ما عند الأب.. فكل ما يصنعه عندما تلد زوجته أنه يشعر بشيء من القلق عليها.. وأحياناً يخفي قلقه في أحد الأفلام، ويترك الزوجة تصرخ وتلعن الطب والدكاترة والممرضات.. وعندما تضع طفلها تعرف من اللحظة الأولى أنها أم، وأنها تعذبت في الحمل والوحم والولادة وأنها اجتازت اللحظة العجيبة، وهي لحظة الولادة، وهي أعذب أنواع العذاب..

وعندما يجيء الأب يتفرج على المولود تؤكد له الأم والأخوات والخالات والعمات أنه ـ أي الطفل ـ الخالق الناطق أبوه.. عينه وأنفه وشفتاه.. ولا يرى الأب عادة شيئاً من هذا كله.. ولا يتساءل الأب عادة ما هو المقصود من هذه المقارنة بينه وبين قطعة من اللحم ليست لها أية ملامح!

وتعلم الأم بالغريزة أن زوجها يريد أن يقوم بمهمة الزوج فقط.. أما هي فعليها أن تكون زوجة وأماً.. ولذلك تحاول بمجهود هائل أن تنقل الزوج إلى وظيفته الجديدة.. وهي وظيفة الأب.. وذلك بأن تشغله بالطفل أو بالأطفال.. ومتاعب الطفل وأمراضه وضحكته ولعبته.. وإذا بالأب الذي لم يبذل أدنى مجهود في أن يكون أباً، قد تحول بالتدرج إلى أب.. وأصبحت الأبوة نوعاً من الهواية.. ولكن الأم تبذل جهداً آخر في أن تجعله يتحول من الهواية إلى الاحتراف.. ومن أب ينفعل عند كل طفل يولد إلى أب يعمل بالقطعة، إلى أب موظف.. أب بالتعيين..

وطريقة الأم هي أن تجعل الأطفال يتعلقون بأبيهم ويرتبطون به عند الأكل والنوم.. بل إنها تقسو على أطفالها ليرموا أنفسهم في حضن أبيهم، فيقوم الأب في هذه «المناورة» بدور رجل السلام..

وكل المعارك التي تدور بين الأزواج عند ولادة طفل ليست إلا محاولة عنيفة من الزوجة أن تجعل زوجها أباً. وليس إلا إصراراً من الزوج أن يظل زوجاً.. ولكن هذا الإصرار لا يلبث أن يلين.. أما الكلمات التي تنتهي عادة بنون وألف ـ أي ابننا وطفلنا ووحيدنا وخلفتنا ـ فهنا لا يملك الزوج إلا أن يكون أباً بالتعيين!