السينما راويا للتاريخ

TT

القصة الافغانية بـــتفاصــيلها المختلفة لا تزال تروى لمعــرفة أسباب ولادة حركــات القاعدة وطالبان وغيرهما من رحم الحرب ضد السوفييت خلال فترة الثمانينات من القرن الميلادي الماضي. وهناك شريطان سينمائيان سيظهران خلال الشهر القادم بالولايات المتحدة الأمريكية، يحاولان تسليط الضوء على بعض الجوانب الخفية في المسألة الأفغانية المعقدة. والفيلم الأول هو «حرب شارلي ويلسون» والمستمد من كتاب بنفس العنوان، وهو يحكي عن دور النائب في الكونغرس الأمريكي عن ولاية تكساس، شارلي ويلسون، في تكوين الدعم العسكري والمادي المطلوب للمجاهدين الأفغان خلال حربهم ضد الاحتلال السوفييتي لبلادهم، وتجربته كانت ثرية وحافلة بالمواقف الغريبة والطريفة منها، حين روج للحصول على دعم مالي من الكونغرس وذلك لشراء 500 حمار لنقل الأسلحة للمجاهدين ضمن تضاريس أفغانستان الجبلية الوعرة! وشارلي ويلسون كان شخصية غريبة أشبه بأبطال رعاة البقر، مغامر فضولي وغريب الأطوار، جمعني به عشاء وحيد في أحد العواصم العربية، وكان حديثه يذكر بشخصية هي خليط ما بين مستشرق غربي ولورانس وكلينت ايستوود، ولذلك ليس بغريب ما ورد في الفيلم من نوادر وقصص عجيبة، ويلعب دور البطولة في الفيلم الممثل القدير توم هانكس وتشاركه جوليا روبرتس التي تعود للشاشة بعد غياب 3 سنوات، ومن المتوقع أن ينال النجاح التجاري حين عرضه.

وهناك الفيلم الآخر الذي لا يقل أهمية وهو «راكض الطائرة الشراعية» وهو الرؤية السينمائية لرواية الطبيب الأفغاني خالد الحسيني بنفس العنوان، وهو يحكي بشكل درامي بديع أحوال صديقين أفغانيين من خلفيات مذهبية وعرقية واجتماعية واقتصادية مختلفة وهما يشهدان انهيار الحكم الملكي وقيام الانقلاب الشيوعي بالحكم، ثم بدء حرب المجاهدين ضد النظام الشيوعي، وظهور طالبان والقاعدة بعد ذلك، ويقدم كل ذلك السرد التاريخي في قالب درامي جريء وشديد التأثير.

القصة الأفغانية لا تزال يتم الكشف (بأشكال مختلفة ومتنوعة) عن تفاصيل خفية ودهاليز مغمورة فيها للأطراف المختلفة التي كانت تخوض «المعركة» وكل له أسبابه وأهدافه الخاصة فيها. ما بين الكتب والأفلام يكتب التاريخ بصورة عصرية حديثة «وبرؤية» من زاوية معينة لتتحول هذه الاصدارات الى رواية موثقة للتاريخ، طالما لم يصدر ما يقابلها ليدحض المذكور فيها. القصة الأفغانية التي كان أول فصولها قصة نبيلة، فيها دعم واضح من المجتمع الدولي «للأبطال المجاهدين» في حربهم ضد «إمبراطورية الشر» تحولت لمعركة ضد «الإرهاب وعناصره»، ولكن الأمر أولا وأخيرا يعني أفرادا ومجتمعات وشخصيات محددة كانت تعيش وتتأثر بما حدث في أفغانستان ولا تزال، وهذا ما يقدمه الفيلمان بصورة مثيرة، وحتما ستحرك جدالا واسعا وقد يكون هذا هو المطلوب في قضية كانت ولا تزال شائكة. السينما تحولت اليوم إلى حكواتي للتاريخ، والسير باتت تروى على الشاشة.