بورما: نهاية العسكر ثابتها الوحيد

TT

أتفق مع الأقوال الذاهبة إلى أن ممارسات عسكر ميامار (بورما) تجاوزت خطوطا حمراء كثيرة، ومع أن الشأن في نهايته وضع داخلي يعود في مجمله اليهم، إلا هناك أصواتا تقول أنه لا بد من سؤال الصين، أو فلنقل طلبها، أن تعمل من وراء الكواليس، كما فعلت مع نموذج كوريا الشمالية، لتساعد في نقل ميامار من العصور الوسطى إلى عالم اليوم الحقيقي.

من جانبي أشك كثيرا أن الصين تملك مثل تلك القوة تجاه ميامار، والإشارة هنا الى أن جنرالات هذا البلد هم في عداد المغفلين حين يتعلق الأمر بالاقتصاد.

وهنا أيضا يأتي السؤال المتوقع وهو: لماذا هم على هذه الحالة من سوء إدارة الاقتصاد بما أوصلهم لهذه الحالة، وبلدهم ينعم بموارد طبيعية كبيرة. وردي هنا لأنهم أغبياء، ولذلك لست متأكدا من أن الصينيين قد حاولوا التحدث معهم، ولكننا في سنغافورة تحدثنا معهم لجهة إخراجهم من هذه العزلة. ومن جانبي حاولت شخصيا عبر التحدث إلى جنرال اسمه كين نايات، وهو الأكثر ذكاء بين تلك الطغمة. وقد بعت له فكرة، أو قل على الأقل أنه اشترى الفكرة، ومفادها أن الطريق الذي سيجعلهم يتقدمون إلى الأمام يمر بضرورة أن يخلعوا زيهم العسكري ويفعلوا كما فعل سوهارتو في اندونيسيا، أي أن يكونوا حزبا كما فعل هو بتكوين حزب غولكار، ومن ثم يستولوا على السلطة كحزب سياسي مدني، ومع ذلك وبالنظر على المدى البعيد، نجد أن سوهارتو نفسه قد سقط. ومن هنا فالفكرة وصلت إليهم كنصيحة خاطئة، فتراجع عنها جنرالات ميامار، والأدهى أنهم طردوا الجنرال كين نايات.

في غضون ذلك، نصحت معظم رجالات الفنادق عندنا أن ينشئوا فنادق هناك، فغرقوا في إنفاق ملايين الدولارات هناك، وفنادقهم الآن خاوية، ولكنكم تعرفون أيضا، أنهم استعاضوا اقتصاديا بوضع أناس مغفلين مكان رجالنا. ولا أذيع سرا إذا قلت أنني لا أفهم على الإطلاق لماذا يبقي أولئك الجنرالات على بلادهم هكذا بمنأى عن العالم بهذه الصورة ولأجل غير مسمى. والأدهى أيضا أنهم يعرفون أنهم يحتاجون إلى الأدوية الطبية، ولكنهم يهربونها من تايلاند، وهذا تصرف غريب. ومع مثل هذا المشهد، واضح المعالم، لا أظن أن بوسع أولئك الجنرالات أن يبقوا في الحكم إلى ما لا نهاية. وأنظر هنا إلى اليوم الذي قرروا فيه إغلاق دور الحكومة في العاصمة يانغون والذهاب إلى مدينة جديدة هي بينامانا، أو أيا كان مسمى المكان الجديد الذي اختاروه، حيث لا شيء فيه، لأن كل الذي فعلوه هو بناء عمارات بالغة التكلفة لأنفسهم وملاعب للغولف، فيما أقام كبير الجنرالات حفل زواج مترف لابنته نقله لاحقا موقع «يوتيوب» على الإنترنت، وقد بدت البنت العروسة مثل شجرة عيد ميلاد، وبالتأكيد فمثل هذا الترف سيقود يوما الفقراء والمحبطين إلى الثورة.

ولكن، وبالعودة للسؤال التقليدي والمتوقع أيضا، وهو: وماذا سيحدث ؟ أقول إنني لا أملك إجابة، والسبب هنا أن الجيش ذاته لا ولن يكون جزءا من الحل، ولأنه وإذا ما تمّ حل الجيش، فلن تملك البلاد شيئا تحكم به نفسها، لأن هذه الطغمة العسكرية قد فككت بالفعل وبصورة درامية كل الأجهزة الإدارية والمدنية بكل محوريتهما في إدارة أي دولة.

* مؤسس سنغافورة الملقب برجل آسيا العجوز ـ 84 عاما ـ والوزير حاليا، والعمود مأخوذ من حوار له مع خدمة غلوبال فيو بوينت،

خاص بـ «الشرق الأوسط».