حيرة أميركية : أيهما الصديق.. براون أم ساركوزي ؟

TT

يواجه رئيس الوزراء البريطاني غوردون براون عواصف سياسية يحاول جاهدا التغلب عليها. كما انه وجد نفسه على نحو مفاجئ يصارع من اجل إقناع الناخبين بأن حكومته العمالية الجديدة لا تزال بخير، وأن لا شيء سيؤثر عليه وعلى سيطرة حزب العمال البريطاني على السلطة.

مساعي وجهود غوردون براون لاستعادة الزخم والنشاط وثقة الرأي العام أمر مهم لدى واشنطن أيضا. فرئيس الوزراء البريطاني يعتبر الحليف الخارجي الأكثر أهمية لدى الرئيس الاميركي. بمعنى آخر، القوة السياسية لرئيس وزراء بريطانيا أمر يتعلق بالمصلحة القومية لأميركا. بمعنى آخر أيضا، لولا وينستون تشرشل ومارغريت ثاتشر وتوني بلير لكانت الصورة التاريخية والحظوظ السياسية مختلفة لكل من فرانكلين روزفلت ورونالد ريغان وجورج بوش.

إلا ان حس المفارقة التاريخي يبدو واضحا في التغيير من بلير إلى غوردون براون. زمام لندن للعلاقات الخاصة مع الضفة الأخرى للأطلسي بات يمسك به الآن زعيم له معرفة مباشرة بأميركا والاميركيين اكثر من سلفه بلير. إلا أن براون وصل إلى 10 داونينغ ستريت في وقت بات يتوجب فيه على أي زعيم بريطاني يسعى لكسب ثقة الرأي العام أن ينأى بنفسه عن بوش.

زار براون كامب ديفيد صيف هذا العام وتحاشى ببراعة أن يكون موضوعا للعناوين العريضة والأخبار الرئيسية، فضلا عن الاستقبال الحار الذي كان بوش يخصصه لبلير. ويمكن القول إن الإدارة الاميركية، التي تعاني من ندرة الأصدقاء في الخارج تظاهرت جاهدة بعدم ملاحظة اللا مبالاة المقصودة من جانب براون.

إعلان براون الأسبوع الماضي سحب قوات بريطانية من العراق، بهدف تقليص العدد الكلي لأفراد القوات البريطانية هناك إلى 2500 بنهاية صيف العام المقبل، سلط الضوء مجددا على حقيقة أن براون ليس تابعا لبوش. وحتى تصريح براون هذا وصفته الحكومة الاميركية بأنه روتيني وليس سياسيا.

درج براون، وهو صديق للمحافظ السابق للمصرف المركزي الاميركي، ألن غرينسبان، على قضاء عطلته الصيفية في كيب كود خلال السنوات الأخيرة، لكنه بعد أن تسلم رئاسة الحكومة البريطانية من بلير قبل اقل من أربعة أشهر، آثر قضاء الصيف في بريطانيا، ليقف على ازدياد شعبيته خلال سعيه لمعالجة سلسلة من المشاكل على الصعيد الداخلي.

ترأس براون وزارة الخزانة البريطانية وأدار الاقتصاد البريطاني بصورة ايجابية في الفترة التي شغل خلالها بلير رئاسة الحكومة. وينظر البعض إلى صرامة براون وطرقه الخاصة في المعالجة كونها سمات مميزة له عن بلير، الذي يرى البعض انه استخدم كل سحره السياسي في خدمة بوش.

ويبدو أن الوقت قد حان كي تتعامل مع باريس كونها لندن الجديدة. فالنجومية واللمعان والكاريزما، التي كانت سمات مميزة لبلير، قد انتقلت الآن عبر القنال الإنجليزي صوب فرنسا. فنيكولا ساركوزي حاول خلال أول 150 يوما له في رئاسة الحكومة تضييق الهوة الاستراتيجية التي تفصل بين باريس وواشنطن. ويمكن القول إن ساركوزي بات الآن الزعيم الأوروبي الذي يجسد التغيير والطموح والتفاؤل الأقرب للغرور.

وبسبب تغيير الشخصيات وتغير الظروف دخلت بريطانيا فترة حذر جديد على صعيد الشؤون الاقتصادية والسياسية، فيما تبحث فرنسا عن فرص لاتخاذ خطوات جريئة وشجاعة، ويبدو أن تصميم ساركوزي على تغيير الأشياء سيصل إلى الضفة الأخرى للأطلسي على ونحو غير متصور أيضا.

خلال سنوات بلير كانت لندن وجهة مفضلة وجاذبة للرئاسة الاميركية، حتى عندما يتحول الطقس إلى عواصف سياسية، مثلما حدث في نهاية المطاف لبلير. إلا أن الطقس تحت ظل براون ربما يكون مختلفا عن السابق.

* خدمة «مجموعة كتّاب واشنطن بوست» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»