رحلة إلى قاهرة المعزّ

TT

في رحلة سابقة للقاهرة بمعية احد الأشخاص، وكان ذلك الشخص مولعا جداً باقتناء كل ما هو قديم واثري ـ حتى من النساء، بعكسي أنا تماماً ـ وقد رافقته إلى سوق (الانتيك) ودخلنا (حانوتا) يبيع فيه صبي في مقتبل العمر، ومن كلامه وبريق عينيه لاحظت فيه ذكاء وألمعية و(فتاكة) وكان ضمن ما عرضه علينا من موجودات (جمجمة) ادعى أنها جمجمة (كليوباترا)، وعندما لاحظ (سيلان لعاب) وإعجاب من كنت معه عليها، طلب فيها سعراً عالياً، ووافق الرجل على ذلك بدون أية مفاصلة وحانت مني التفاتة وشاهدت جمجمة ثانية صغيرة، فسألت البائع عنها، فأجابني بسرعة بديهة وثقة بدون أن يهتز له رمش: أنها أيضاً لكليوباترا عندما كانت طفلة صغيرة لا يزيد عمرها عن ثلاثة أعوام، فما كان من الرجل إلاّ أن صفق فرحاً، وطلب منه أيضاً ضمها للأولى الكبيرة، ودفع ثمن الاثنتين قائلاً: يا سبحان الله، ويا لحظي الذي (يفلق الصخر) أن استطعت أن احصل على جمجمتين لكليوباترا، واحدة عندما كانت كبيرة والأخرى عندما كانت صغيرة.. ودعنا البائع بابتسامة ماكرة وهو يضرب لنا (تعظيم سلام)، ولا شك انه فيما بعد قد حدث والده عن ذكائنا المفرط.

وسار الرجل أمامي وكأن (الدنيا لا تسعه من الفرحة) وأنا خلفه احمل الجمجمة الكبيرة بيدي اليمنى، والصغيرة وضعتها على رأسي.

وفي المساء حضرنا في الفندق حفلة مختصرة شبه رسمية وكان من ضمن الحضور احد الممثلين مع زوجته، وتفاجأت أن احدهم وجه كلاماً جريئاً وجافاً وغير متوقع لذلك الممثل قائلاً له: هل تعرف أن (فلان) ـ وفلان هذا الذي يقصده هو ممثل آخر منافس له ـ، قال: هل تعرف انه أكثر موهبة منك وأكثر وسامة وأكثر ثقافة، وأكثر جماهيرية.

بهت ذلك الممثل من ذلك الهجوم الجارح واحمّر وجهه واصفّر، ولاحظت انه بدأ يرتجف ويتشنج ويحفز نفسه للقيام بمواجهة ذلك الرجل الأرعن، غير إنني انتبهت إلى أن زوجته أخذت تشد على يده وتربت عليها مهدئة، فاستسلم واسترخى قليلاً على كرسيه، ثم استجمع البقية من أعصابه، وقال لذلك الرجل: قد يكون ما قلته صحيحاً، ولكن هناك شيئا واحدا لا يستطيع هو أن يحصل عليه مثلي، وصمت قليلاً وتوقعت أنا شخصياً أن يكون ذلك الشيء خطيراً وصدمت عندما سأل ذلك الرجل بحدّة قائلاً: ولكن، ولكن هل لديه مثل هذه الزوجة؟! وأشار لزوجته الجالسة بجانبه.

عندها وجهت نظراتي التي تتحول أحياناً بقدرة قادر إلى (أشعة ليزر تخترق الحجب)، وجهتها إلى زوجة ذلك الرجل وتفحصتها ـ يعني (الله يغفر لي) شلتها من (تحت لفوق) بدون أي ذوق ـ على أمل أن أجد فيها ولو (مواصفة) واحدة تستحق كل هذا الفخر من زوجها الممثل المتيم بها، ولكنني فعلاً لم أجد ولا حتى (فتفوتة).

[email protected]